ما إن تبدأ شرارة الثورة –أي ثورة وبأي بلد- حتى تجد جيوش المنافقين وأزلام النظام وأبواقه المتعفنة تتصدى لها واصفة ً لها بكل قبيح من المسميات التي اعتدنا عليها، وما أن تنضج وتبدأ ثمارها حتى نرى نفس الوجوه التي نعتت الثورة بالأمس تشيد بها اليوم، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الثورة ملك الشعب وليس من حق أحد أن يفرز الناس أو يصنّفهم أو يقبل هذا أو يرفض ذاك من الملتحقين بركب الثورة، فالثورة في غالبها صالحة لا يضرها بعض المتسلقين، فالماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث كما تقول القاعدة الفقهية. بدت اليمن استثناء في كل شيء حتى في الثورة الشعبية التي هي حدث استثنائي أصلا, فعادة لصوص الثورات أن يسرقوها بعد نجاحها أما في اليمن فقد بدأ لصوص الثورة باكرا حيث بدأ المتحولون في التسلق على سلّم الثورة قبل أن يسقط النظام، ما جعلني ألفت الانتباه إلى هذه الزاوية هو ضبابية مواقف بعض من ينّظرون للثورة دون أن يقدموا استقالاتهم من الحزب الحاكم أو ممن استقالوا دون أن يلتحقوا بالثورة ولو بالخطابات، حيث نلحظ كثيرا من بيانات الاستقالة خلت من الإشارة إلى مشروعية دعوة المعتصمين وحقهم بالتعبير ودعوة الرئيس للاستجابة لمطالبهم، هذا الصنف أراد تسجيل موقف باستقالته دون التحلي بالشجاعة لإعلان موقفه من الرئيس فهو ينتظر ما تؤول إليه الأمور ثم يقرر, وهناك من تحلوا بالشجاعة وأعلنوا مع استقالتهم أنهم مع الثورة ولو كانوا خارج البلد كما هو الحال مع بعض الموجودين داخل اليمن. لفت انتباهي مقال لسيف العسلي بعنوان "إلى شباب الثورة: مطالبكم مشروعة ولن يحققها سواكم" والذي نظّر فيه للثورة وللثوار وكأنه واحد منهم علما بأننا لم نجد له أي بيان يعلن فيه استقالته أو دعوته للرئيس للتنحي وقد ذكرني سيف العسلي بموقف شبيه حدث بمصر بعد الثورة لزميلنا الكاتب المصري من أصول يمنية بلال ناصر فرغم خبرته بنفوس البشر وطبائعهم والتي تتضح من أفلامه ومسلسلاته التي يكتبها وقف ذات يوم محتارا ومذهولا من عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطني وأحد أبرز مصممي حملاته الإعلامية وكان من أكثر المهاجمين للثورة في عموده اليومي بجريدة روز اليوسف، والسبب ما سمعه بلال من سامي أثناء لقاء أعضاء من المجلس العسكري بعدد من المثقفين، قال بلال وعيناه تتسعان من خلف زجاج نظارته: وعندما جاء الدور في الكلمة على الدكتور سامي عبدالعزيز عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة وأحد قيادات الحزب الوطني الإعلامية البارزة وعضو لجنة السياسات المشبوهة، والذي قام قبل نجاح الثورة بمهاجمة ثوارها أصحاب الأجندات الخارجية، لذلك فوجئت عندما امتطى سيادته الميكروفون وألقى خطابا حماسيا في هجاء عهد مبارك الذي ساده الفساد والظلم والزيف والنفاق، مادحا ثورة 25 يناير التي أنقذت البلاد والعباد من مبارك وعهده، وكان حديثه مؤثرا لدرجة أنني أصبت بفقدان مؤقت للذاكرة، وملت على الصديق عمرو الشوبكي وسألته معليش فكرني.. هو احنا كنا مؤيدين لمبارك ولا معارضين له!? هذا الموقف تكرر مع كثير من المتحولين بعد الثورة والذين حاولوا أن يمتطوا ظهر الثورة والذي يمكن أن نستسيغه منهم حيث ركبوا الموجة لكن ما لا نستسيغه من سيف العسلي أن يتسلق وهو مازال عضوا في المؤتمر ولم يتحلل من مقولته الشهيرة "شهادة لله وللتاريخ بأنني ما رأيت رئيس في العالم أحرص على وطنه وشعبه مثل علي عبدالله". نصيحة من تروتسكي.. للجميع في عام 1936 أصدر ليون تروتسكي أحد أبرز قادة الثورة البلشفية الشيوعية كتابه الشهير «الثورة المغدورة». لا يهمّ من أمر هذا الكتاب الآن سوى واحدة من عباراته حملت تحذيراً مدوياً قال فيها: “إذا حدث أن انهار الاتحاد السوفياتي في يوم من الأيام، فليعلم أصدقاؤه، بأنهم هم أول من ساهم في تدميره، لماذا؟ لأنهم لم ينفعوه بأي نصح عدا أنهم نافقوه وحجبوا عنه أخطاءه وأوهموه بأنه لا يفعل إلا الحسن والأحسن". كان للنظام في الاتحاد السوفياتي أعداء كثر، لكن انهياره الذي حدث في الأخير لم يحصل على يد أي من أعدائه، لم ينهر لأنه كان يحظى بأعداء كثيرين وخطرين، وإنما انهار لأنه حظي (بأصدقاء) ومستشارين غير جيدين وأحياناً غير جديرين بالاحترام؛ لا أحد منهم كان يمحضه نصيحة صادقة، أو يصارحه بكلمة حق.