بنبرة عابثة أخذ صبي في الثالثة عشرة يوجه كلامه إلى شيخ عجوز: نصر الله الرئيس وقواته. دمدم الشيخ ببعض الألفاظ وانصرف. فطن بائع الخضروات إلى استغرابي فأشار إلى الرجل العجوز الذي غادر: أصله حوثي... التفت إلى الصبي وقلت: أنت بلا تربية! ألا ترى أنه في عمر جدك؟ وأي نصر تتحدث عنه والقوات التي تدعو لها بالنصر ليست قوات الرئيس بل أبناء اليمن يحاربون أبناء اليمن. ما يحدث هزيمة ماحقة. لاحظت أنه بوغت وانصرف خجلا. حانقة طافت بخيالي صور من أرض القتال، جثث ملقاة بثياب عسكرية وأخرى بثياب عادية، رائحة الدم المسفوح ذي الجذر الواحد تقول إنهم يمنيون، السماء التي صعدوا إليها، النظرة الأخيرة قبل أن يفارقوا الحياة.. كانوا كلهم في يوم ما قد تغنوا بها: إنها سماء بلادي. الأطفال المشردون في صعدة بوجوههم الملطخة بالتراب والدموع، تشابهها سحن أطفال أصبحوا الآن أيتاما في مناطق أخرى من الوطن. رنت في أذني كلمة وطن، غريبة مستهجنة، وفكرت: هل هكذا يشعر هؤلاء المشردون والأيتام حينما ينطقونها؟ استشعرت فراغ الكلمة على لسانهم، وصعقني حدس مراراتهم. في البيت حينما قطعت عنا الكهرباء ساعات عديدة ولأكثر من مرة خلال اليوم، وقفت أمام أدوات المنزل التي تعطلت، وفي الظلام الدامس الذي نمنى به كل ليلة ولساعات طوال، ومن خلال نظري المرهق بضوء شمعة خافت ينوس وأمامي أوراق بحث شرعت في كتابته، تذكرت صعدة. صحيفة النداء