صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهذا تحولت المبادرة إلى مؤامرة!
نشر في المصدر يوم 12 - 05 - 2011

بات جلياً أن الأشقاء الخليجيين، لا يريدون حلحلة الانسداد السياسي ومعالجة الأزمة اليمنية بقدر ما يريدون تعطيل الفعل الثوري ومنح نظام صالح كل ممكنات التلاعب والتحايل وصولاً إلى إنهاك الثورة وتثبيط عزائم شبابها المتوثبين.
سأكون صريحاً أكثر، دول الخليج –باستثناء دولة قطر- لا تريد لثورتنا السلمية استكمال مسيرتها المظفرة باتجاه تحقيق النصر اللائح والمستعصي.
إنهم ببساطة: يسابقون الزمن من أجل إبقائها في تموقعها الراهن، والحيلولة دون انتقالها إلى مراحل الحسم التي أعلن عنها الشباب قبل أيام خلت.
بالتعديل الجديد على المبادرة الخليجية، أثبت الأشقاء –بما لا يدع مجالاً لأي شك- انحيازهم الفاضح والواضح إلى جانب نظام صالح، بموازاة تجاهلهم المطلق لخيارات الشعب اليمني وعدم احترامهم لمفاوضيهم من ممثلي جناح الثورة السياسي في اللقاء المشترك.
الأمر هنا لا يبدو مقتصراً على فكرتي الانحياز والتجاهل فحسب، فالنسخة الرابعة من المبادرة، تُجسد بحد ذاتها دليلاً يؤكد حضور نظرية المؤامرة في أبهى صورها وأوضح أنماطها.
لقد بدا الأشقاء –خلال لحظات تقديم النسخة الرابعة- كما لو أنهم محض مندوبين لعلي عبدالله صالح ونظامه المتداعي!
لا مجال هنا لنعت آنف الأسطر بالتحامل، فالأشقاء حين قرروا تعديل مبادرتهم وتقديمها في نسخة رابعة، تناسوا تموضعهم الافتراضي كوسطاء بين طرفين متنازعين، لينساقوا –في جُل تعديلاتهم- خلف رغبات النظام الصالحي دون إجراء أي تشاور مسبق مع جناح الثورة السياسي ممثلاً بأحزاب اللقاء المشترك.
موقفهم الأخير كان صادماً ومفاجئاً، ليس لشباب الثورة فحسب، بل ولساستها في المشترك الذين لم يكونوا يتوقعون على الإطلاق انسياقاً خليجياً مرعباً لصالح النظام كذلك الذي حدث تواً.
لقد جسدت نسخة التعديلات الرابعة إخلالاً فاضحاً بموجبات الوساطة، وتجاوزاً واضحاً للتفاهمات النهائية التي جرى إنجازها حول المبادرة في نسختها الثالثة.
بثنائية الإخلال والتجاوز، تحولت المبادرة من محاولة لاحتواء الأزمة، إلى مؤامرة لاحتواء الثورة، تلك هي الحقيقة الوحيدة القابلة للاستنتاج والتيقن.

خذلان خليجي صادم
زعم الأشقاء –حين تقدموا بمبادرتهم الثالثة- أنها غير قابلة للتعديل على الإطلاق، مشيرين إلى ضرورة قبولها من جانب المشترك كمنظومة متكاملة دون أي تعديلات.
ورغم أن النسخة الثالثة حظيت بالرفض البائن من قبل شباب الثورة لكونها لم تلب أدنى التطلعات الثورية، إلا أن ساسة الثورة في اللقاء المشترك –وبعد مداولات عديدة- تنازلوا عن اشتراطات التعديل معلنين قبولهم بالمبادرة كما وردت من الأشقاء.
أراد المشترك بموافقته على تمرير المبادرة، وتنازله عن اشتراطات التعديل، أن يؤكد جديته في تجنيب البلاد مآلات المواجهة بموازاة حرصه على إظهار ثنائية التقدير والتثمين لجهود الأشقاء أولاً ولحرصهم على عدم سفك الدماء ثانياً.
من واقع تجاربه الحوارية المريرة مع النظام الصالحي المتداعي، كان المشترك يدرك أن موافقته ستدفع الرئيس صالح للتراجع عن الترحيب بالمبادرة بصورة تؤدي إلى كشف ألاعيبه وفضح خداعه وتجريده من سواتر الادعاءات والتمويه ليظهر أمام الأشقاء على حقيقته دون رتوش أو مساحيق تجميلية.
للوهلة الأولى، بدت ثمار التكتيك المشتركي دانية القطاف، فالموافقة المشتركية جوبهت بتحفظات صالحية ما لبثت أن تطورت إلى رفض رئاسي للتوقيع.
بدا لبرهة، أن المشترك حقق لتوه نصراً دبلوماسياً، لدرجة أنني كتبت مقالاً لأسبوعية الصحوة قلت فيه إن المشترك نجح في فك شيفرة الخداع الصالحية واضعاً صالح ونظامه في الكورنر.
توقع الجميع لحظتها صدور موقف خليجي حاسم تجاه الألاعيب والأكاذيب الصالحية، بصورة تؤدي لإرغام صالح على التوقيع وحمله على إنفاذ الاتفاق من عنق زجاجة المماطلة التي تواري رفضاً بائناً.
توقعات الموقف الحاسم لم تقتصر على ذلك، إذ كانت جُل المعطيات تشير إلى احتمالية تكثيف الضغوطات الخليجية كرد عملي على الرفض الصالحي، وصولاً إلى التلويح برفع الغطاء الإقليمي والدولي عن صالح ونظامه بما يمهد للاعتراف بشرعية أي مجلس انتقالي ثوري يمكن أن يجري تشكيله.
في غمرة التفاؤل، ظهرت أولى مؤشرات الخذلان الخليجية إثر بيان المجلس الوزاري الذي اكتفى بالتأكيد على استئناف جهود الوساطة وعودة أمين عام مجلس التعاون إلى صنعاء بعد أن غادرها مغاضباً إثر رفض الرئيس صالح التوقيع على المبادرة.
سيناريوهات الخذلات الخليجي، مضت قدماً على خلفية اكتفاء الأشقاء بإجراء مباحثات بينية مع النظام لتعديل المبادرة دون علم أو موافقة اللقاء المشترك.
ليأتي السبت الفارط، حاملاً معه نبأ اكتمال دراما الخذلان الخليجية إثر توزيع المبادرة في نسختها الرابعة على أعضاء المجلس الأعلى للقاء المشترك.

كيف تحولت المبادرة إلى مؤامرة؟
بالنسبة للمشترك، بدا أن ثمة تغيراً محورياً قد طرأ في الموقف الخليجي من الأزمة اليمنية، فالنظام الصالحي أفلت لتوه من الضغوطات الافتراضية، مبارحاً كورنر الحصار الذي ظن الجميع أنه قد حوصر فيه!
فبدلاً من ممارسة الضغوط لإجباره على التوقيع، خضع الخليجيون لضغوطاته، ملبين له جل رغباته ونزواته.
ليت الأمر يبدو بهذه البساطة، لقد بلغ بهم الإسراف في الخضوع والتمادي في التساهل حد تعديل المبادرة على هواه وبالطريقة التي يراها مناسبة دون استشاره الطرف الآخر الذي فوجئ بالتعديلات، وتلقاها على نحو أظهر موافقته كما لو أنها مجرد تحصيل حاصل!
ثمة مبررات عديدة تجعل تعبير (المؤامرة) أكثر النعوت قدرة على توصيف الواقع الناشئ عن التعديلات الأخيرة على المبادرة في نسختها الرابعة.
فالتعديلات حولت المبادرة من اتفاق قانوني ملزم بين (السلطة والمعارضة) إلى اتفاق حزبي غير ملزم (بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك).
كما أنها أطاحت بوجود الضامنين الدوليين (أميركا والاتحاد الأوروبي) في التوقيع، ليتحول الاتفاق بذلك من اتفاق دولي إلى اتفاق يمني داخلي غير ملزم أيضا.
بوسعنا هنا استكمال المسببات الأخرى التي تبرر خلع توصيف المؤامرة في نقاط أربع.
أولها: أن التعديل يعد تراجعاً عن إعلان خليجي سابق زعم فيه الأشقاء أن المبادرة –في نسختها الثالثة- نهائية وغير قابلة للتعديل إطلاقا.
ثانيها: أن التعديل حدث نزولاً عند رغبة الرئيس صالح، إذ لم يُكلف الأشقاء أنفسهم –قبل تمرير هذا التعديل- عناء إبلاغ المشترك وأخذ موافقته.
ثالثها: أن التعديل أكد حضوراً طافقاً لفكرة التواطؤ الخليجي مع النظام، إذ بموجبه بارح صالح كورنر الحصار وقفر عائداً إلى ممارسة ألاعيبه والاستمراء في إنتاج خداعه وتصدير أكاذيبه بمباركة الأشقاء ودعمهم.
رابعها: أن التعديل سيمنح النظام فرصة حقيقية للتنصل من الاتفاق بعد توقيعه دون خشية من أي عواقب أو تداعيات، لاسيما عقب استبعاد توقيعات الضامنين (أميركا والاتحاد الأوروبي) والاكتفاء بتعميد صالح وتوقيع وزير خارجية الإمارات وأمين عام مجلس التعاون، وهنا نتساءل من الذي سيضمن عدم نكوص صالح عن تنفيذ الاتفاق عقب استبعاد الضامنين؟
الثابت الوحيد، أن التعديلات أفرغت الاتفاق من مضمونه، وحولته من اتفاق قانوني ذي صبغة دولية (عندما كان توقيع الرئيس والضامنين موجوداً) إلى اتفاق حزبي داخلي (بعد استبعاد توقيع الضامنين واعتماد توقيع صالح كممثل للمؤتمر الشعبي العام).

مخاوف خليجية من تمدد الثورة
حين كان المجلس الوزاري الخليجي يتهيأ للخروج بتوافق حاسم إزاء رفض صالح التوقيع على النسخة الثالثة من المبادرة، كان هذا الأخير يُمعن في ممارسة الفهلوة الكلامية خلال مهاتفات ثنائية له مع كل من: ملك السعودية ورئيس الإمارات وأمير الكويت وعاهل البحرين.
لقد أقنعهم جميعاً بصوابية موقفه، دافعاً إياهم لفرملة المجلس الوزاري –الذي كان ملتئماً لحظتها- وإجهاض توجهه نحو الحسم والحيلولة دون بروز موقف مستنكر له تجاه الألاعيب والمراوغات الصالحية.
لم يدقق طويلو العمر وأصحاب النيافة والسعادة في حساسية الموقف وأبعاد ودلالات القضية، جُل ما كان يهمهم لحظتها ينحصر في منح المراوغ الكبير -الذي يُجيد تسويق أكاذيبه ببراعة- فرصة أخيرة لإثبات جديته.
بخلاف التوقعات، جاء بيان المجلس الوزاري مخيباً للآمال، ليؤكد بذلك مدى فاعلية الاتصالات الصالحية إلى طويلي العمر.
في الواقع، لاتبدو تدخلات القادة الخليجيين، التبرير الوحيد في إحداث التغيير الجذري الطارئ على الموقف الخليجي الذي بات متواطئاً مع صالح ونظامه.
ثمة تبريرات أخرى يمكننا تدوينها في ثلاثة محاور أساسية، يتلخص أولها: في خشية الخليجيين وتحديداً المملكة العربية السعودية من تداعيات انتصار الثورة السلمية في اليمن واحتمالات تمددها إلى دول المجلس وبالأخص السعودية.
سأستشهد هنا بجمل تأكيدية أوردها الكاتب عبدالحليم قنديل في مقال له بيومية القدس العربي يحمل مانشيت (لماذا كل هذا الرعب السعودي من الثورات العربية)؟ يقول قنديل إن السعودية تخشى من تمدد الثورة إليها عبر جبال اليمن، ويمضي بالقول: "تبدو السياسة السعودية وكأنها داخلة في حرب ضروس ضد زحف الثورات الشعبية العربية والسبب مفهوم فالحكم السعودي يخشى اقتراب النار من بيته".
يتمحور ثانيها: حول فكرة نجاح النظام في توظيف الخلافات الخليجية البينية على نحو مساند لخيارات بقائه، حيث سبق لصالح أن انبرى في مناسبات عديدة مهاجماً دولة قطر في محاولة لاستمالة التأييد السعودي.
الإمعان في تقديم التنازلات للأمريكان –محاولة اغتيال أنور العولقي بالطيران أنموذجا- يبدو ثالث المحاور، إذ ثمة ما يشير إلى تدخلات أميركية أسهمت في إعادة تشكيل الموقف الخليجي على نحو يمنح النظام مساحات أوسع للتكتيك والمراوغة وتحسين الوضع التفاوضي.

التأثير السعودي في الموقف الخليجي
يبدو الدور السعودي مفصلياً في تحديد الموقف الخليجي الإجمالي تجاه ثورة الشباب السلمية.
بوسعنا الزعم أن هذا الدور كان له تأثير بالغ في مسار التحولات الخليجية الداعمة لنظام صالح المتواطئة معه ضد ثورتنا المجيدة.
في السعودية، حتى وإن بدا التعاطف مع الثورة سلوكاً واصفاً لمعظم أنشطة وأعمال وتحركات جناح سلطوي معين، إلا أن رأي الملك عبدالله بن عبدالعزيز يظل هو الفيصل في النهاية.
بالاستناد إلى معطيات شتى، ومعلومات متطابقة، يمكننا الزعم أيضا بانشطار الموقف السعودي من الثورة الشبابية السلمية في اليمن إلى فسطاطين، أحدهما يرفع راية التأييد الجزئي والمشروط، والآخر يتبنى خيار الرفض شبه الواضح.
الالتقاء اللافت بين بعض أهداف ثورتنا وبعض غايات الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي، لا يعني تأييد هذا الأخير ودعمه للثورة السلمية.
يتلخص موقف الأمير –وفق المعطيات والمعلومات- في تأييد خيارات التغيير شريطة أن لا تتم بطريقة ثورية خارجة عن إطار السيطرة.
الأمير ببساطة: يؤيد بعض أهداف الثورة –كرحيل صالح مثلاً- لكنه لا يميل إلى تحقيقها عبر الخيارات الثورية والشعبية، إذ يرى في المفاوضات السياسية الوسيلة المثلى لإنفاذها.
وبالتالي فالثورة السلمية بالنسبة إليه ليست سوى احتجاجات شعبية ينبغي أن لا يتم السماح لها بفرض التغيير عنوة، إذ يجب أن تظل تحت السيطرة بصورة تسمح بإحداث التغيير عبر المفاوضات السياسية.
على النقيض النسبي من هذا، يمكن القول إن الملك لم يعد مؤخراً يحبذ رحيل النظام الصالحي، حيث تشير ذات المصادر إلى أن الملك بات يرى ضرورة أن يكون التغيير في اليمن محكوماً برغبة صديقه الرئيس صالح.
وفق المصادر، فالميول الملكية إلى الرئيس صالح ونظامه كان لها بالغ الأثر في تعديل الموقف الخليجي الإجمالي الذي بات منحازاً إلى النظام الصالحي.
تذهب المصادر بعيداً بتأكيدها أن الملك قدم للرئيس مؤخراً دعماً مالياً يقدر بثلاثمائة مليون دولار لمواجهة التحديات الثورية التي تجابه نظامه.
وتزعم هذه المصادر بوجود استياء لدى جناح الأمير سلطان من قدرة صالح على التأثير في قناعات الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

منزلقات الانسياق اللاواعي
حين وافق الأشقاء على فتح توقيعات لثلاثين شخصاً بالمناصفة بين المشترك وشركائه من جهة والمؤتمر وحلفائه من جهة أخرى، لا يبدو أنهم وضعوا في حساباتهم تداعيات الموقف الناشئ عن رفض أحد أولئك الثلاثين للتوقيع وبالأخص ممثلي أحزاب الموالاة أو ما تسمى بأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي التابعة للمؤتمر الشعبي العام.
ماذا لو أن صالح أوعز لممثلي هذه الأحزاب الورقية برفض التوقيع على المبادرة بحجة التمسك بما يسمونها الشرعية الدستورية، كيف سيتعاطى الأشقاء مع واقع كهذا؟ وهل ستخضع المبادرة للتجميد بسبب رفض التوقيع من قبل شخص لا يمتلك أي وزن أو ثقل أو تأثير سياسي؟
إن كان تعديل المبادرة -من حيث المبدأ- يُجسد خطأ فادحاً من جانب الأشقاء فإن استحداث التوقيعات يُجسد فخاً وخطأ أكثر فداحة من فعل التعديل ذاته.
إنها ببساطة: إحدى ثمار منزلقات الانسياق اللاواعي خلف رغبات النظام الصالحي ونزواته.

الخليجيون بين خيارين
في بيانه قبل أمس الاثنين، كان اللقاء المشترك واضحاً في التأكيد على ثلاثة أمور أساسية، أولها: التمسك بالمبادرة في نسختها الثالثة ورفض نسختها الرابعة لكونها تُجسد إخلالاً بالاتفاقات والتفاهمات، وثانيها: التلويح بالخيارات الشعبية لمواجهة أي محاولات للتأجيل أو المماطلة، وثالثها: دعوة الأشقاء إلى الكف عن استقبال أي ممثل عن نظام صالح أو تقديم أي إسناد مالي له.
رغم الانحياز الخليجي الفاضح لنظام صالح، يحاول اللقاء المشترك أن يبدو عقلانياً وحكيماً حتى وهو يواجه موقف الخليج الصادم والمفاجئ.
بيانه الأخير حتى وإن لم يكن ملبياً لتطلعات الثوار، إلا أنه يعد مفهوماً ومبرراً، لاسيما في ظل ما تحظى به الجهود الخليجية من دعم وتفويض عالمي ودولي توج مؤخراً بتزكية كل من روسيا والصين.
بموقف حاسم كهذا، بات الأشقاء أمام مفترق طرق حقيقي، فالمشترك -حسب بيانه وتأكيدات قادته- لن يقبل بإجراء أي تعديلات في نسخة المبادرة الثالثة، وهو موقف سيقلص الخيارات المتاحة أمام الأشقاء إلى خيارين رئيسيين، فإما التراجع عن تعديلات النسخة الرابعة وممارسة ضغوطات جادة لدفع صالح ونظامه للقبول بالتوقيع على نسخة المبادرة الثالثة، وإما أن يتخذوا قراراً بسحب المبادرة نظراً لإخفاقهم في تمريرها وانعدام حيادهم تجاه طرفيها.
وهنا نتساءل: إذا كان الأشقاء قد أخفقوا في إلزام صالح بالتوقيع ورضخوا لمطالبه، فكيف سينجحون –بعد التوقيع- في دفعه لتنفيذ المبادرة بما في ذلك البند المتعلق باستقالته من منصبه؟

وماذا بعد؟
أي تأجيل أو مماطلة ستضع النظام أو ما تبقى منه وجهاً لوجه أمام خيارات الشعب.. بهكذا تعبير اختزل المشترك ما يمكننا وصفه بآخر خيارات العلاج.
وفق ماثل المعطيات، بات واضحاً أن رياح الخارج لن تأتي بالشاكلة التي تشتهيها السفن الثورية، وهو أمر يجعل التسويف تهديداً حقيقياً لنجاح الثورة في تحقيق أهدافها.
في لحظات عصيبة وحاسمة كالتي تعيشها ثورتنا، ينبغي على المشترك أن يستهل ترتيبات فورية لتنفيذ تلويحه بالخيارات الشعبية عملياً.
فالنظام لا يبدو جاداً في الخروج السلمي، ودول الخليج لا تبدو جادة في إرغامه على ذلك، وبين هذه وتلك ثمة التقاء واضح يجعل الخيارات التفاوضية مضيعة للوقت واستهلاكاً للجهد.
بالتالي، آن للمشترك إذن أن يدرس -على نحو عاجل- تعليق المفاوضات بموازاة تفويض شباب الثورة في فرض الخيارات الشعبية والثورية بالطريقة التي يرونها مناسبة.
خلال مهلة اليومين التي حددها المشترك في بيانه يوم أمس، ستتضح الرؤية أكثر لتؤكد عدم جدوى الانتظار وغياب أي فائدة للتسويف.
عاجلاً أم آجلاً، سيصل المشترك إلى قناعة بضرورة اعتماد الخيارات الشعبية والثورية، تلك هي الحقيقة الثابتة التي تؤكدها التغييرات الطارئة على الموقف الخليجي كذلك الحال بألاعيب صالح ومناوراته وخداعه وعدم جديته.
وعليه، فثورتنا اليوم غدت تفاضل إجبارياً وعملياً بين خيارين لتحديد الطريقة المثلى الواجب اتباعها في مراحل الحسم، فإما تشكيل مجلس انتقالي ثوري يسعى للحصول على اعتراف إقليمي ودولي كبديل للنظام الحاكم، وإما إمضاء رغبة الشباب التواقة في الزحف المباغت نحو دار الرئاسة!

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.