لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    نقابة الصحفيين تدعو إلى سرعة إطلاق الصحفي المياحي وتحمل المليشيا مسؤولية حياته    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    السوبرمان اليهودي الذي ينقذ البشرية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السجون المركزية في اليمن.. مؤسسات لتعليم الذل والانحراف
نشر في المصدر يوم 21 - 05 - 2011

عندما كان الشيخ يحيى قحطان عضو مجلس الشورى يتفقد السجن المركزي بلحج ضمن اللجنة الدستورية المكلفة بتفقد السجون، تقدم منه المواطن سالم الصافي؛ السجين منذ ستة أشهر بجريمة السب والمحكوم بخمسة آلاف ريال غرامة، و(20) ألف ريال للمجني عليه.. صوت الصافي المتهدج أحزن الشيخ قحطان فقام بدفع المبلغ، فوجهت النيابة بالإفراج عن المحكوم.‏

تختزل تلك الصورة ما تخفيه أسوار السجون اليمنية، من ظلم وبؤس وقسوة في حق الناس، إنسان يودع السجن لسنوات طويلة بحجة أن عليه خمسة آلاف ريال دين لشخص آخر.‏

تصادر حرية الناس وتهان كرامتهم وتمتهن آدميتهم لأسباب بالغة التفاهة، والسذاجة، أتذكر قصة الشاب الإسرائيلي "ييغال عامير" الذي قتل رئيس وزراء بلاده إسحاق رابين وأن الصحافة الإسرائيلية قلبت الدنيا ولم تقعدها لأن القاتل ‏"عامير"، لم يحصل على فرشاة أسنان في زنزانته!!.‏

اليهود غلاظ، قساة في التعامل مع غيرهم، لكن مع أبناء جلدتهم تتجلى رقتهم وآدميتهم.‏ وقليلون "جداً" من يتنبهون لحال من وراء القضبان، الذين وضعتهم الحياة في أغوار الذاكرة، ووضعهم المعنيون في ذيل قائمة الأولويات.‏

ولا أدري إن كان وصف "إصلاحية" ينطبق على كثير من السجون اليمنية أم لا.. فهي سجون من واجبها الحفاظ على أمن المجتمع واستقراره وحماية أبنائه، وهم سجناء من حقهم الحصول على العيش الكريم والمعاملة الحسنة، وتوفير احتياجاتهم الإنسانية أولاً، والقانونية ثانياً، وكما دخل السجناء إلى السجن بسلطة القانون، يجب أن يحصلوا على كامل حقوقهم بسلطة القانون أيضاً، وعلى جميع الجهات المعنية الرضوخ لسلطة النص.‏

يركز هذا التحقيق بصورة رئيسية على معلومات في غاية الأهمية أوردها تقريران منفصلان صدرا عن مجلس الشورى؛ الأول تقرير لجنة حقوق الإنسان والحريات والمنظمات المدنية، التي تفقدت السجون المركزية في ست محافظات: أمانة العاصمة وتعز وإب وذمار وحضرموت والمهرة، والتقرير الآخر مقدم من اللجنة الدستورية عقب تفقدها لسجون محافظات عدن ولحج وأبين.‏

ومهما تعددت الزيارات، واختلفت السجون والسجناء، وعلت الأسوار، وتنوعت القضايا وتباينت أحكام القضاء، تبقى المأساة واحدة.. وبخصوصية ونكهة يمنية!!.‏

السجون المركزية في كل محافظة تحمل نفس النسخة من المعاناة، وبفارق ضئيل بين سجن وآخر، فمثلاً جميعها تشكو شدة الازدحام، لأن عدد النزلاء يفوق بكثير الطاقة الاستيعابية لكل سجن، مما جعل كل سجين يشعر أن جلده سجن إضافي، وأن بقاءه في سجن كهذا هو عقوبة إضافية.‏

فأسوار السجن المركزي بصنعاء تخفي وراءها (2204) سجناء وسجينات، ‏(غير سجناء قضايا خيانة الأمانة)، بينهم قرابة (455) سجينا وسجينة رهن المحاكمة في قضاء اعتاد ترحيل قضايا الناس من عام لآخر.‏ ولا يوجد في صنعاء سجن احتياطي للرجال أو النساء، وجميع الموقوفين هم ضيوف السجن المركزي!!.‏

وخُصص السجن المركزي بتعز ل(400) سجين – حسب تصريحات المحافظ حمود الصوفي- ويحشر في داخله (1475) سجينا وسجينة، بينهم ‏(600) رهن المحاكمة.‏ ويبقى لسجن تعز خصوصية الشكوى، المتوفرة أصلاً لدى كل أبناء تعز في داخل السجن أو خارجه، وهي انقطاع الماء وسوء الصرف الصحي، ونزلاء مركزي تعز تتكرر شكواهم من انقطاع الماء، مما دفع بالمحافظ الصوفي إلى التوجيه بسرعة حفر بئر خاص بالسجن كمعالجة آنية "كما أسماها".

ورغم أن إب محافظة لا تعاني الجفاف إلا أن نزلاء السجن الاحتياطي يشكون من انعدام الماء وتقول إدارة السجن أنها تعالج المشكلة بشراء ناقلات ماء (‏"وايتات).‏ ومركزي إب الذي خصص عند بنائه ل(300) نزيل، يوجد به حالياً ‏(1330) سجينا وسجينة، بينهم (450) سجينا رهن المحاكمة، لتمضي السنوات، وهم ينتظرون كل يوم سماع الصوت الذي سيجترهم إلى قاعات المحاكم، ليعرفوا مصيرهم.‏ وربما كانت إب المحافظة الوحيدة التي خصصت سجناً للاحتياط، نظيف ولائق بآدمية السجين، وحتى لا يختلط الموقوفون احتياطياً بأرباب الجرائم والسوابق، كما خصصت إب سجناً للنساء منفصلاً عن الرجال، غير أن ما يؤسف له حقاً أن نسبة عالية من المسجونين هم من "القتلة"، حتى النساء عدد السجينات (10) معظمهن بتهمة القتل.‏

وفي ذمار ينتظر (230) سجيناً محاكمتهم من أصل (665) سجينا هم إجمالي نزلاء مركزي ذمار، الواقع داخل مبنى قديم متآكل، وبإدارة محشورة في طابق واحد.‏

وأكثر من ثلثي سجناء مركزي حضرموت يقبعون خلف القضبان بانتظار محاكمتهم، ف(300) من أصل (429) سجينا بحضرموت ينتظرون قضاءً يعجل بمحاكمتهم، ويأملون بنيابة لا تتعجل في ترحيلهم إلى "المركزي"، الذي يختلط فيه سجناء الجرائم الكبيرة، وسجناء الاحتياط والأحداث "صغار السن".‏

وإذا كان نزلاء مركزي تعز يشتكون انقطاع الماء، فسجناء مركزي حضرموت والمهرة يشتكون انقطاع الكهرباء من (8-10) ساعات يومياً، في محافظات حرّها يأكل الأجساد، ويتسبب برطوبة كبيرة لجدران السجن، ويساعد في انتشار كمية مهولة من الحشرات التي باتت تهدد (90) سجيناً بأمراض جلدية مخيفة في مركزي المهرة.‏

وبين سجناء المهرة (35) سجيناً ينتظرون محاكمتهم، و(25) سجيناً أجنبياً من باكستان وأثيوبيا والصومال، فضلاً عن كونه سجنا غير مؤهل ومهترئ، يأكل العفن جدرانه، فهو يضم المحكومين بجرائم خطرة وسجناء الاحتياط، والأطفال "الأحداثِِ"، والنساء أيضاً، إذ خُصص لهن غرفة واحدة بجانب غرف الرجال.‏

ويقول المحامي عبدالرحمن برمان رئيس منظمة سجين إن "وضع السجون اليمنية يخالف كل القوانين والدساتير والمواثيق التي وقعت عليها اليمن باعتبار أن التعامل مع السجين يكون بوصفه مجرما، يجب أن ينال عقابه وليس شخصاً له حقوق داخل السجن، ومن حق السجين أن يطالب بوضع أفضل وطبقاً لكل القوانين الدولية التي وقعت عليها اليمن، وتلزم الدولة بتوفير السجن النظيف والواسع والتغذية الجيدة والملبس الملائم"، معتبراً ازدحام السجون مخالفاً للقانون "فالأصل في السجن أن يكون نظيفا وواسعا وملائما لمكانة الإنسان، وألا يظل عرضة للازدحامً والتعفن ومكانا لنقل العدوى، حتى الروائح الكريهة يمكن أن تسبب أمراض التحسس والربو".‏

وأستشهد بحادثة وفاة سجينين في مركزي شبوة العام الماضي بسبب انتشار داء السل داخل السجن، "والآن يوجد ثلاثة سجناء عندهم نفس المرض وهناك أمراض جلدية منتشرة بين السجناء في نفس السجن".‏

وعن اختلاط الموقوفين احتياطياً بنزلاء السجون المركزية يقول المحامي برمان "من حق الموقوفين احتياطياً أن يتوقفوا في سجون الاحتياط حتى تثبت إدانتهم، فمن الناحية النفسية عندما تضع الموقوف الاحتياطي في السجن المركزي معناه أنه مذنب وهو لا يزال رهن التحقيق".‏

مهمة أخرى.. ليست جديدة
اللجنة الدستورية بمجلس الشورى كانت هي الأخرى في مهمة استثنائية، مستعجلة، وفي ذات السياق، إذ تم تكليف اللجنة بالنزول الميداني إلى محافظات لحج وعدن وأبين لتفقد سجونها وسجنائها ورفع تقرير بذلك إلى المجلس لمناقشته.‏

مهمة اللجنة التي استغرقت (18) يوما (من 23/12/2008م إلى ‏11/1/2009م) أثمرت عن تفاصيل أكثر دقة من داخل سجون تلك المحافظات، فسجن المنصورة المركزي بعدن بداخله (794) سجيناً، بينهم ‏(425) سجينا ينتظرون محاكمتهم، و(28) نزيلا سجنوا عبر نيابات من محافظات أخرى، و(14) سجينا أمضوا فترة العقوبة ولا يزالون مسجونين، وليس عليهم حقوق خاصة، وأربعة سجناء في قضايا مدنية، و(15) سجيناً أجنبياً من قبل مصلحة الهجرة والجوازات محكوم عليهم بالترحيل، بينهم ‏(8) نساء، ولم يرحلوا.‏

سجن المنصورة الذي وصفته اللجنة بالقديم والمتآكل بالأملاح ومرور الزمن، قالت أنه كان من أكبر السجون اليمنية وأكثرها تنظيماً، ومقسم من الداخل إلى عدة "بلوكات".‏ أما دار التوجيه الاجتماعي "الأحداث" فقد قال التقرير أنه لا يوجد فيه فصل بين "الأحداث" بحسب وقائع كل منهم، حتى لا يتعلم الطفل ذي الخطأ الصغير من الطفل ذو الخطأ الكبير، ولا يوجد في الدار كادر وظيفي متخصص.

وفي هذا يشير المحامي برمان إلى أن دور الرعاية الاجتماعية هي في الأساس "إصلاحيات" لتأهيل وتقويم السجناء لإخراجهم للمجتمع، وهم ذوو نفسية سوية، يمكن الاستفادة منها في بناء المجتمعات.‏
وما يزيد من اتساع المعاناة هو إشارة التقرير أن "بعض الفتيات داخل الدار معرضات لتكرار الانحراف أكثر من مرة".‏
ويلفت برمان إلى تأكيد القانون على ضرورة فصل السجناء حسب الجرائم وحسب الفئات العمرية، لأن من يرتكب جريمة صغيرة قد يخالط من يرتكبون جرائم مخلة بالشرف، وعلم النفس الجنائي وعلم الإجرام والعقاب يؤكدان أن اختلاط السجناء يدفعهم نحو جرائم ومهارات إجرامية أخرى، مثلاً من دخل السجن في قضايا شجار أو ضرب شخص آخر قد يتعلم من السجناء الآخرين السرقة أو التزوير أو ترويج الممنوعات كالمخدرات وغيرها".‏

ويضم مركزي لحج (198) سجيناً رهن المحاكمة من أصل (277) سجينا هم إجمالي النزلاء.‏ السجن القديم والمتهالك في لحج سيتم مغادرته إلى المبنى الجديد خلال الأشهر القادمة، غير أن الجهات المعنية هناك تشكو بطأ التنفيذ في استكمال بناء السجن.‏

وفي أبين (112) سجيناً بينهم (73) رهن المحاكمة، وجميعهم داخل سجن صغير أشبه بدكان، تقول اللجنة "أنه غير صالح البتة لأن يكون سجنا، فمساحته عشرة أمتار في خمسة عشر متراً، ومقره على الشارع، ولا يوجد له أسوار، وكثيراً ما تشتكي سلطات الأمن خطورة وضعه، لأن الجماعات المسلحة هناك مصدر لإقلاقهم"، وتنتظر المحاكم والنيابات في أبين أن يتم الانتقال إلى السجن الجديد، الذي بني بمواصفات حديثة غير أنه بدون سور حتى الآن.‏

ويؤكد المحامي برمان أن للسجينات الحق في الحصول على مبانٍ مستقلة لسجنهن بعيداً عن سجون الرجال، والوضع الحالي لهن أنهن في سجون مع الرجال، وهذا أمر له تبعاته، فمثلاً في السجن المركزي بصنعاء تحدث مراسلات غرامية بين السجناء والسجينات، ثم أن كثيرا من الرجال يختلطون بالنساء، والأصل أن تكون السجون منعزلة ومنفردة بعيدة عن الرجال، وفيها طاقم نسائي متخصص ورعاية صحية للحوامل وعيادات طبية ورعاية نفسية فالنساء أكثر عرضة للحالات النفسية لأنه بمجرد القبض عليها تصبح معزولة عن أهلها والمجتمع، وكثير من السجينات حاولن الانتحار داخل السجن.‏ وفي المحافظات التي لا يوجد فيها سجون مركزية يتم سجن النساء في بيوت، وهذا مخالف للقانون، لأن هذه البيوت فيها رجال، وبعيدة عن السلطات العامة، ولا يمكن فيها محاسبة طرف بعينة.‏

‏478 وما خفي كان..‏
باستثناء مركزي المهرة فإن كل سجن تحدث عنه التقرير يوجد فيه عشرات ومئات المعسرين، وهم من انقضت مُدد أحكامهم القضائية وبقوا سجناء غرامات مالية، لا يستطيعون دفعها لأصحاب الحق.‏

وفي غير رمضان لا أحد يتحدث عن المعسرين، سواء من الجانب الرسمي أو الشعبي.‏ وسجناء الإعسار في تزايد مستمر، إذ يبلغ عددهم (321) معسراً في السجن المركزي بصنعاء، و(37) في تعز، و(45) في إب، و(40) في ذمار، و(26) في حضرموت، و(18) في لحج، أي بإجمالي (478)معسراً، وفي بقية المحافظات قد أحصى الله كل شيء عددا.‏

ويؤكد برمان أن الوضع القانوني للمعسرين هو منع سجنهم إذا ثبت إعسارهم "ولا يجوز سجن أي شخص معسر في قضايا مالية إذا ثبت أنه معسر، ويخلى بينه وبين دائنه؛ بمعنى أن لصاحب المال الحق في تتبع المعسر، فإذا وجد في يومٍ ما أن لديه مال أو عقار حجز عليه ممتلكاته، أما إذا ثبت منذ البداية أنه غير معسر فيتم الحجز على ماله دون الحاجة إلى سجنه". وفي تشابه ألم إضافي لوضع السجون المركزية أشار تقريرا مجلس الشورى إلى أن التغذية داخل السجون "سيئة جداً"، بسبب أن تزايد عدد السجناء على حساب جودة التغذية، أما النظافة فهي من الكماليات التي لا يجب الحديث عنها.‏ والوحدات الصحية الخاصة ليست أكثر من لوحة تتدلى فوق غرفة ضيقة، حتى مركزي تعز الذي يوجد به وحدة صحية من غرفتين للأطباء وصيدلية ومختبر أنشئت بتمويل من صندوق الرعاية الاجتماعية، جميعها لا تعمل، بسبب عدم توفر المعدات والأدوية والأجهزة الطبية، ومواد الإسعافات الأولية، وفي كشوفات العاملين في الوحدة الصحية يوجد سبعة أطباء لا يداوم منهم غير ثلاثة فقط، والأطباء الملتزمون بالدوام تتكرر شكواهم من قلة الراتب، وبُعد المكان وعدم توفير إدارة السجن لمواصلات تقلهم.‏

وفي مركزي إب مصحة نفسية تصيب الإنسان السليم بالاكتئاب. وبحسب مدير السجن أن الأجهزة التنفيذية لا تتعاون معهم في علاج السجناء المصابين بحالات نفسية، وأن ثمن العلاج مرتفع، مما جعل حالاتهم تزداد سوءاً.‏

وفي مركزي صنعاء تتكرر نفس المعضلة ويزيد عليها في حضرموت والمهرة أن الأدوية منعدمة والأغذية تتعفن سريعاً بسبب ارتفاع الحرارة، وانعدام المكيفات الهوائية.‏ ويأسف تقرير اللجنة الدستورية بمجلس الشورى لوضع المصحة النفسية في مركزي ذمار التي يصفها بالنموذجية، "لأنها بدون تجهيزات طبية". وتعد مواد النظافة وأدوات السلامة أشياء خارج الاهتمام... وخارج التفكير.‏

مواليد السجون.. وقات السجناء‏
لا يخلو سجن مركزي من السجون التي شملها التقريران من انتقاد اللجنة الشوروية لإدارة السجن بسبب مشكلتين متوفرتين في كل سجن.‏

الأولى تتعلق بتغذية الأطفال الرضع والأمهات الحوامل، فالأم وطفلها بحسب التقارير يعانيان "الهزال" جراء سوء التغذية، وافتقارها لأبسط المكونات الأساسية اللازمة لتغذية الأمهات الحوامل والأطفال الرضع.‏

فضلاً عن ذلك لا توجد طبيبة واحدة متخصصة أو مرشدة نفسية أو اجتماعية، في سجون النساء، الأمر الذي يضاعف معانات السجينات جسدياً ونفسياً، والأشد ألماً أنه نادرا ما توجد محافظة فيها سجن احتياطي للنساء، بل تختلط الموقوفة احتياطياً مع ذوات الجرائم والسوابق.‏

وهذا الخلط ليس مخالفة قانونية فحسب بل كارثة ينتظرها المجتمع، فالمرأة عاطفية بطبيعتها، ويبقى الاحتمال وارد في إمكانية السجينة المنحرفة والجانحة أن تؤثر في سلوك امرأة أخرى أُوقفت احتياطياً، فتخرج الأخيرة وهي عبوة ملغومة بالمفاسد.‏

وسوء التغذية ليس من يجمع بين السجون المركزية، فالمصائب المتعددة في التسميات تتحد في المضمون، ولا يوجد داخل تقريري مجلس الشورى صفحة إلا وكُتب في مقدمتها فقرتان:

الأولى: "لاحظت اللجنة السماح لبائعي القات الدخول إلى ساحة السجن، وعنابر السجناء"، وكأن القات قدر اليمنيين يلاحقهم من مخابئ الطفولة إلى عنابر السجون.‏

والفقرة الأخرى: "لاحظت اللجنة وجود هنجر بداخله ورشة نجارة لتأهيل وتدريب السجناء غير أنها لا تعمل بسبب عدم وجود الاعتمادات التشغيلية وضعف الإمكانات المادية، حسب إفادة إدارة السجن".‏

ويقول برمان أن القوانين اليمنية تلزم إدارة السجن بتأهيل السجناء ورعايتهم وتهذيب سلوكياتهم، وفي كثير من بلدان العالم يتخرج من السجن المهنيون وعمالقة المسرح والسينما والغناء، وتبث إذاعات من داخل السجون، حتى تكون إصلاحيات يتخرج منها مبدعون وفاعلون في المجتمع بدلاً من تخريجهم منحرفين وجانحين أكثر".‏

عن الناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.