لم تغرب شمس ثاني جمعة في هذا الشهر الكريم على خير بالنسبة للباعة المتجولين ومفترشي الرصيف في شارع هائل بأمانة العاصمة فقد كانوا جميعاً على موعد غير مضروب مع عتاولة البلدية التابعين لمنطقة معين والذين عاثوا في الشارع فساداً وبثوا الفوضى والفزع في كل أرجاء المكان.. في مشهد رعب دائماً ما يتكرر في شوارع وأسواق أمانة العاصمة ومراكز المحافظات. "لا يفعل هذا العمل إلا اليهود في إسرائيل" هكذا عبر نبيل الوصابي عن الطريقة الهمجية التي تتعامل بها البلدية معهم، ويضيف: تفاجأنا بعد صلاة الجمعة بالبلدية مصحوبة بسيارات النجدة ومعهم شيول وبدأوا بجرف كل البضائع التي على الرصيف دون سابق إنذار عابثين بكل شيء تقع عليه أعينهم وأيديهم.
مسلسل مفتوح
ما قاله نبيل يعد مشهداً يومياً في مسلسل مفتوح يعاني منه الباعة المتجولون لكن تطورات هذا المشهد وتحوله إلى صدام وعنف ورصاص ودماء مثل الفوضى الشاملة ليس على الباعة وحدهم بل على كل العابرين بالشارع والساكنين فيه، فبعد عملية السحل والسلق التي قام بها افراد البلدية فوجئوا ببعض الممانعة والرفض والاستنكار من قبل بعض الباعة فأطلق أفراد البلدية النار في الهواء ليرفعوا بذلك نسبة الرعب وتتوسع دائرته فتجمع الباعة في ضفة من الشارع وتجمع بالمقابل لهم أفراد البلدية إلى جانبي شرطة النجدة والشرطة الراجلة وليت الأمر انتهى هنا فكل مشهد مماثل لا ينتهي إلا بضحايا.
ففي غمرة الذهول الذي أصاب الباعة المتجولين من حملة البلدية فوجئوا بسقوط زميل لهم مغشياً على الأرض جراء ضربه بأعقاب البنادق والعصي من قبل بعض أفراد البلدية فثارت ثائرتهم وتجمعوا وقطعوا شارع هائل وشارع عشرين ومنعوا مرور السيارات كتعبير احتجاجي على الاعتداء الذي تعرض له زميلهم فانسحب أفراد البلدية ومعهم الأمن ليتركوا الفوضى تسود المكان وتحولت مظاهر الغضب إلى اقتتال.. فأثناء تجمع الباعة في الشارع حاول سائق دراجة نارية اختراق الشارع لكنه قوبل بالضرب وكادت دراجته ان تتلف فثارت حميته وذهب وأحضر عصابة ليأخذ بثأره وعندما حضر كانت المفاجأة.. دخل الشارع كله في معركة أداوتها العصي( الصُمل) والجنابي فأغلقت كثير من المحلات التجارية المجاورة خصوصاً محلات الذهب وانتهت المعركة بسقوط شاب مضرجاً بدمائه بعد تلقيه عدة طعنات بالسلاح الأبيض في ظهره.
إبراهيم.. ضحية جديدة
إبراهيم مهيوب سعيد 25 عاماً كان ضحية الصدام المرعب الذي مارسته البلدية وأعوانها في الشارع... فهذا الشاب الذي يتاجر بالملابس الداخلية وينتمي إلى مديرية المعافر بمحافظة تعز لا يزال يرقد حتى كتابة هذا المادة في مستشفى المنار بشارع هائل متأثراً بجراحه من الاعتداء الذي تعرض له نهار الجمعة الفائتة.
يقول إبراهيم وهو على السرير في المستشفى للناس: فوجئت كغيري بقدوم البلدية وحملتها على البضائع.. فجاء ثلاثة أفراد منها يريدون أن يأخذوا بضاعتي التي هي داخل البيت وليست على الرصيف وعندما رفضت أن اسلمها لهم واسمح لهم بأخذها قاموا بضربي بالصمل وأعقاب البنادق حتى سقطت على الأرض ووجدت نفسي هنا بالمستشفى.
إبراهيم يعاني من كسور في ظهره وآلام في عموده الفقري ورضوض في أجزاء مختلفة في جسمه إضافة إلى هموم اصابت حياته بانهيار نفسي فالبضاعة التي كانت بحوزته -كما يقول- ليست ملكه فقد أخذها من تجار الملابس كي يبيعها ودفع ثمنها لاحقاً لكن رفضه تسليمها لأفراد البلدية جعله يدفع نفسه ثمن تمسكه بحقه أمام أشخاص اعتبروا تلك الممانعة كسراً لشوكتهم وإهانة لذواتهم فضربوه غير مبالين ليشفوا غليلهم وينتصروا لأنفسهم ويمارسوا لعبتهم المعتادة في إزهاق الأرواح ونشر الفوضى ولم يضعوا حرمة لأدميته أو بيته أو الشهر الكريم أو حتى للملابس الرسمية التي يرتدونها.
من التالي؟!
مأساة إبراهيم وما تعرض له لم تكن الأولى من نوعها وربما لم تكن الأخيرة فقد سبقه ضحايا كثيرون بعضهم أدركه الموت وهو يقف فوق بضاعته في الرصيف أو خلف عربته في الشارع.. فمن يوقف هذه الفوضى؟ وهل يعطي القانون الحق لهؤلاء في سحل الآخرين وإزهاق أرواحهم والإجهاز على ممتلكاتهم؟ والمثير هنا أن البلدية هي من تؤجر الرصيف لهؤلاء الباعة وتجني وراء ذلك أموالا طائلة وفي الأونة الأخيرة لجأت إلى وسيلة أقل ما توصف بالقذرة وتتمثل في استئجار بعض المهمشين الأغبياء في النيل من الباعة المتجولين وبضائعهم في حين تقف هي موقف المتفرج.. لكن المواطنين لا زالوا يتذكرون فؤاد البدوي فمن المسئول عن هذا الرعب المتنامي داخل الشوارع من قبل أفراد البلدية حتى صارت كلمة "بلدية" تثير الخوف والهلع عند الكثيرين.
يقول سعيد الدبعي: حياتنا اصبحت كابوسا بفعل المطاردات المستمرة والابتزاز الدائم وقد خسرنا الكثير من رأس المال جراء المصادرة للبضائع، اما جميل الحمادي فيطالب الدولة بالتعويض الكامل لهم جراء الخسارة التي يتعرضون لها، ويعلق: الدولة لم تمنحنا فرص العمل وفوق هذا تضايقنا في ارزاقنا حتى اصبح الواحد منا يشعر انه الضحية القادمة للبلدية.