من نافلة القول إن قضية الثأر في المجتمع اليمني من أخطر القضايا التي تحصد أرواح العشرات يومياً من أبناء الشعب اليمني، وتكاد تفتك بالمجتمع بأسره، وتأكل الأخضر واليابس. وللأسف الشديد.. تؤكد الحقائق والوقائع وتبرهن الأيام والأحداث أن السلطة توظف قضايا الثأر توظيفاً سياسياً بامتياز بين القبل المختلفة وبين الأفراد والأسر في طول البلاد وعرضها، وهذا معروف ومعلوم للقاصي والداني ويفهمه البليد قبل الأديب انطلاقاً من السياسة الجهنمية والملعونة "فرق تسد"، وما اللجان التي تشكلها الحكومة بين الفينة والأخرى لحل قضايا الثأر إلا مغالطة مفضوحة ومكشوفة للضحك على الذقون وذر الرماد على العيون، فهذه اللجان ليست أكثر من جعجعة بدون طحين، وإلا كيف تفسر موت هذه اللجان بمجرد الإعلان عنها مباشرة؟! والحقيقة التي لا مراء فيها أن أغلب قضايا الثأر قد وظفت توظيفاً سياسياً لتصفية حسابات معينة وبهدف إخضاع مناطق وأسر وأشخاص معينين وإجبارهم على الانصياع وجلبهم إلى بيت الطاعة بالترهيب أو الترغيب. الأمثلة والأدلة والشواهد والبراهين أكثر من أن تحصر في عموم الساحة اليمنية، ولا بأس أن أشير هنا إلى أحد الأمثلة القريبة الحدوث كقضية آل القاضي من السهمان خولان محافظة صنعاء، وآل الهردي خبان محافظة إب، والتي أساسها خلاف على أرضية في منطقة بيت بوس بأمانة العاصمة تابعة للبنك الإسلامي للتمويل والاستثمار، حيث اعتدى أفراد من آل الهردي على أولاد الشيخ عبدالله عبدالوهاب القاضي وكيل البنك بالرصاص، وهو ما أدى إلى إصابة اثنين منهم إصابة أحدهما خطيرة، وهو حتى هذه اللحظة شبه مشلول، وحينما حاول أفراد من آل الهردي الاعتداء مرة ثانية رد عليهم أفراد من أصحاب الشيخ عبدالله القاضي فقتل نجل شقيق القاضي حمود الهردي رئيس محكمة استئناف أمانة العاصمة: فسلم آل القاضي للدولة ثلاثة رهائن، ورفضت السلطات الأمنية السماح لنجل الشيخ عبدالله عبدالوهاب القاضي بالذهاب للعلاج في الخارج برغم حالته الحرجة، وأوعزت السلطة لأبناء المناطق الوسطى في محافظة إب بالانضمام للاحتجاج بميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، وأصدرت النيابة والجهات المعنية أوامر بإلقاء القبض القهري على آل القاضي وعملت السلطة جاهدة على بقاء القضية معلقة بدون حل لا قبلي ولا شرعي لكي يتم استخدامها في الوقت المناسب.
هذا غيض من فيض وقطرة من مطرة. ولا ريب أن مما يساعد على تفاقم ظاهرة الثأر عدم وجود قضاء عادل ومستقل تنفذ أحكامه على الجميع، ولذلك تجد معظم الناس يحلفون أغلظ الأيمان أنه لو وجد القضاء العادل والمستقل والنافذ على الجميع فلن يحملوا السلاح إطلاقاً لأنه "مكره أخاك لا بطل" وهذا الواقع لا يعفي الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والعلماء والخطباء والمرشدين والوجهاء والمشايخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية والأكاديميين وأساتذة الجامعات والمثقفين ورجال الصحافة والإعلام وقادة الرأي وأرباب الكلمة عن القيام بواجبهم الوطني إزاء هذه الظاهرة الخطيرة والآفة المدمرة التي أهلكت الحرث والنسل.