في حادثة الانهيار الصخري لقرية الظفير كان على زميلي في الجامعة أن يبعث سؤالاً إلى أستاذ الجيولوجيا: لماذا سقطت الصخرة في الماء؟ واتضح من الأستاذ أن الموضوع له علاقة بالتفاعلات الماضية للحرارة والطاردة لها بالنسبة للصخور المخشخشة. ما يتناوله بعض الشباب من باب التثاقف عندما طرح أحدهم ذات مساء مسألة التفكيك المرن لبقايا نظام العائلة إذ أن الأمر أشبه بتفكيك مرن لصخرة مخشخشة على عكس المولعين بالسقوط المدوي بتلك الدرامية التي تحاكي مصر وهو ما يرد عليه البعض لا تكن درامياً أكثر من اللازم يا صديقي، والأمر مختلف بالنسبة لشباب ثائر يردد باستمرار وهبناك الدم الغالي وهل يغلى عليك دم، الذي لا يفكر إلا لجسم بالغ السرعة والخفة أيضاً، وأعتقد أن ثمة فرقاً كبيراً بين التكتيك والاستراتيجية. على أية حال ينبغي على ياسر اليماني أن يسكب ما تبقى لديه من عبارة الأخ الرئيس بكلمة فخامة فالقادم لن يكون كما مضى، فيما يجب على مهندسي مسبوقة التفكيك المرن لهذه الصخرة وهي نوع من المغامرة الجميلة والمسؤولة، وفيها قدر من العناء، أقلها أن يتوقع وصلة من أوصال الصخرة تقع على رأسه ولو على هيئة رصاصة طائشة أو حتى كاتم صوت، كل ما في الأمر أن العقلية المثخنة بالعباطة داخل دماغ الأنجال مدموغة بالاضطراب حد الرجة، عباطة غير بريئة لا علاقة لها بالعباطة البريئة عند أولاد الحارة الذين يقضون وقتهم داخل محلات الأتاري، وليس للموضوع علاقة برواية نجيب محفوظ إطلاقاً إذ أن مرفالة "الجندي" عند محمود ياسين إحدى تناسلات هذه الخشخشة، ففي أرحب مثلاً الأمر بلغ حد العيب للمفردة المقدسة عند القبائل الذين يتناقشون عن ما بعد فكرة الخلاص من الحرس العائلي يحضرهم على ذلك مشاهدة الذين تنام عوائلهم داخل الكهوف، هذا ما لخصه شيخ يتمتع بقدر جيد من المعرفة، إنه لن يسمح لبيادة أحمد علي أن تدوس على تراب القبيلة بعد الآن، وبدأت تتنامى فكرة التعزيزات الجغرافية والتاريخية عن أبناء القبائل الذين ستروق لهم فكرة انتقال البلد من قانون القوة إلى قوة القانون، هذا بالنسبة لفصل أنصار الثورة من القبائل. أما الشباب، شباب الساحات وهم الأكثر قدرة على التعاطي مع الأفكار الكبيرة إذ أن عبدالرحمن الذي لا يزال مستمراً في الدوران داخل المخيم ويكرر عبارة الثورة لن تتثاءب يضيف إنها لا تصالح مع النعاس، وكيف ينعس من ينظر إلى صخرة بالأعلى آيلة للسقوط!؟ وهذا يؤكد التناول الكثيف لمسألة الإسراع في الحسم، وهو ما يعلق عليه البعض ما إن تدخل "البكلين" للخلاص من صخرة مخشخشة تطل على سكان الأحياء الشعبية وربما تفضي إلى تكثيف العناء الشعبي وبما أن الثورة ظهرت كحالة غير قابلة للتلاشي ولا تتعارض مع قابليتها للنضج الطويل.. بعيداً عن المحاكاة للتجربة المصرية والتونسية ما دام أن جمال مبارك لم يكن قائداً للحرس الخاص والجمهوري ولم تكن ليلى الطرابلسي قائداً للأمن المركزي مثلاً، وربما يضيف آخر ولم تكن الظاهرة القيرانية فعالة عند الأشقاء. وليس هناك مهدي مقوله، الذي يفقع مرارة أبناء الجنوب. وكل ذلك ناتج عن غياب الجيش الوطني الذي كان كفكرة كادت أن تخبو وبالتالي جاءت الثورة كسجال مسؤول بين الحل والمشكلة. الحل الذي يكمن في وطن يتخلق في أطوار الساحات وأم المشاكل المتمثلة في وطن مساحته 550 ألف إلى ما يشبه ملف بوكس داخل دولاب العائلة. ما يستحق التأكيد عليه هو أن النظام العائلي لم يعد حالة سياسية سيئة إطلاقاً، الأمر أبعد من ذلك، إنه حالة إجرامية تستغل بأدوات بالغة الألم بما فيهم المطحونين الذين جرجرتهم كشوفات الضمان الاجتماعي إلى مربع سحق الاعتبار نهائياً. أعود قليلاً، إلى كيف بإمكاننا تفكيك ما تبقى من أحجام الصخرة المخشخشة وهل الموضوع له علاقة بالمهمة الوطنية تعاون الكل من أجل الكل، لكن من يقنع عبدالكريم الإرياني مثلاً الذي كان عمه أول رئيس مدني أن يخرج صارخاً: على إطارات الطقم العسكري أن تتوقف عن الدوران. ماذا سيكون رد مهدي مقولة تجاهه مثلاً؟ وهل يجرؤ رجل مثل أحمد الأشول رئيس الأركان أن يدافع عن أبناء المناطق الوسطى التي تستقبل مقابرها كل أسبوع ضيوفاً جدداً من أبناء الجيش تقودهم حماقات العائلة إلى الموت؟ ماذا سيكون شعوره وهو يشاهد امرأة من يريم تنتحب على ابنها الوحيد؟ وهل تراود عبدالملك الطيب فكرة أن ينتفض ويرفض تعامل يحيى صالح الذي يتعامل معه كما لو أنه لاعب محترف في صفوف نادي العروبة ليس له قرار في المؤسسة الأمنية؟ هل تناول الشخصيات الوطنية أمر مهم جداً، كيف بإمكاننا أن نتجنب مسألة الصراع العسكري الذي سيجهز على ما تبقى من بعض الحلقات المتماسكة في ما يمكن أن نسميه بالجيش الوطني الذي أرهقه نظام صالح حينما بات يعرف بحرق الكروت والتمهيد لزفة التوريث؟ وكيف بإمكاننا الحفاظ على عاصمة يتموضع فيها مئات الآلاف من المنازل الشعبية لا يمكن لعاقل أن يحصر مهمة التغيير فيها على الحركة الوطنية وشباب الثورة؟ الأمر أهم من ذلك ألم يرهقوا مسامعنا ذات مرة أن الوطن أولاً؟ لا أحد من مكونات الثورة يفكر في إحداث سقوط مدو للأنجال، هذا ما يجب أن يعرفه الجميع بما في ذلك الأنجال ذاتهم. غير أن الأنجال هم من يقودون أنفسهم إلى مربع السقوط المدوي إذا ما تسرب إلى دماغهم فكرة مهاجمة ساحات التغيير والحرية، ومواجهة ما بعد تصرف غير مسؤول ينتج عنه الوثبة الأخيرة للثورة تضعهم في زاوية تاريخية أضيق بكثير من زاوية علاء وجمال وحبيب العادلي، وربما بالنسبة لحسن وتره، وهذا يعزز أشواق الجيل الجديد العارمة التي ليست على وئام مع التفكيك المرن. غير أن القادم سيفرض إيقاعاً جاداً لن يجد فيه عبده الجندي موضوعاً يمنحه حق "الروفلة" وعندها سأجد إجابة لصديقي علي الحقب الذي يبعث لي سؤاله من النرويج ماذا يدور في الوطن؟ أستطيع القول إنه ليس هناك أكثر من تفكيك مرن لصخرة مخشخشة آيلة للسقوط كقلعة تقليدية موغلة في القدم.