مغضوب عليها هذه الشرعية الدستورية. في السبعين يذود عنها شرف القليصي، وفي الستين أحمد الصوفي. الهرب من أحدهما لسماع الثاني، يعني أنك تهرب من النار وتجد نفسك في جهنم. بالنسبة للشباب في ساحات الثورة، الاثنان وجهان لرئيس واحد، وما يقولانه من بذاءات بات ضرورة من الناحية الطبية. سينفجران لو لم يفرغا ما بداخلهما من سموم، ونجد أنفسنا أمام كارثة بيئية. لهذا يتعاطف الناس مع الرئيس فعلا، وكيف ابتلاه الله برجال يُصدّرون الفضائح بدلا من الدفاع عنه بذكاء. لم تُدفن فضائح أحمد الصوفي وعوراته بعد، حتى يفاجئنا مصنع الفضائح، بأخر ما توصلت إليه تكنولوجيا السبعين: الرئيس صالح هو «الشهيد الحي», لأنه نجا من حادث النهدين! لم يكن الخطيب «القليصي», يمزح، أو يصور حلقة من حلقات «اهضم شي»، بل يجعل رئيس دولة مدعاة للضحك في الداخل والخارج، ويدلل على اللقب الذي أطلقه بقرائن وإعجازات. الدين والدولة توأم سيامي في اليمن لم ينفصل بعد. عرف الناس شرف القليصي خطيبا لجمعة الشرعية. في كل أسبوع يعتلي المنبر ويضخ سموماً كافية لقتل «فيل»، ولم يعرفوه رئيس اتحاد لتصنيف الشهداء: شهيد, شهيد ركن، شهيد متقاعد, شهيد راحل، شهيد طفران، وشهيد حي. وجد في السبعين ميدانا لإثبات نفسه كصاحب مواهب خارقه ومتعددة. يستطيع خطيب جامع إتقان دور الداعية، والشيخ الجليل، ولا يستطيع تأدية دور خارجي إلا شرف.
في جمعة أسموها «التراحم»، كان الرجل يتحول كحرباء، من خطيب جامع، إلى رئيس جهاز أمن قومي، وهو يهدد ب«شي جلود المعارضين». لم يكتف بهذا فحسب، بل حذرهم من «اختبار صبر أنصار الرئيس»، وقال: «لا تغتروا بكثرتكم ولا تتهاونوا بالأسد الجريح فوراء الأسد أشبال». اعتقد أن المؤتمر لن يجد وزير دفاع في حكومة الوحدة الوطنية بكفاءته وشجاعته. اللواء الركن شرف هو الأنسب. إذا كان «خطيب» مسجد يقول كلاماً كهذا، فليس بغريب أن نسمع تصريحات ل«يحيى محمد عبدالله صالح»، يقول إنه «سيسحب الشعب من أذنيه». على الأقل الأخير قائد أمن مركزي، وأبن أخ الرئيس. في جمعة التراحم بالذات، لا أعتقد أن شرف قد التزم بالنص، بل خرج عليه عندما تحول إلى مُسعر حرب، ومانح ألقاب، والدليل ان الإعلام الرسمي لم يورد ما قاله من «دُرر» في اليوم التالي، بل تورط بالبث المباشر, كما أن الرئيس لم يعجبه ما فجّره شرف في الجامع من قنبلة ربما ، فخرج في اليوم التالي من المستشفى وهو يركض كما قالت رويترز. أتخيل الرئيس وهو يتحسس جسمه لحظة سماعه أنه ارتقى إلى مرتبة شهيد، ليتأكد أن قلبه مازال ينبض. يُغرم الرئيس بكل الألقاب، إلا شهيد. أعتقد أنه سيجعل من «شرف» «الشهيد المهفوف» جزاء ما اقترفت لسانه. بماذا سيخدمه هذا اللقب، وأين؟ لا توجد قمة استثنائية للشهداء الأحياء حتى يخطب فيها، ولا مجلس تعاون شهداء حتى يخطب ودهم. كيف سيسمع اسمه في التلفاز والمذيع يقرأ: «بعث الشهيد الحي الرئيس برقية تعزية بوفاة الأميرة سلطانة».. كيف يعزي شهيد بوفاة مرحومة. اللقب سيقلب الأمور على عاقبها. سيصلي الناس في جامع الشهيد الحي الصالح. وسيصبح داؤود دائل فائز بجائزة الشهيد الحي للقصة، وسُيطلق على الستين، اسم شارع الشهيد الحي. وسنسمع قرارا بإنشاء هيئة رعاية الشهداء الأحياء برئاسة شرف القليصي الذي سيترك إدارة مكافحة التسول. لكن أين الشهيد. لا بد أن نسأل القليصي، ما هو حكم سفر الشهداء الأحياء خارج البلاد أكثر من ستين يوماً؟ هل يعتبر شهيد مسافر، أم شهيد بعيد؟