كل العقلاء والشرفاء والغيورين على هذا البلد، بل وكل المراقبين والمتابعين للشأن اليمني، يجمعون على أن اليمن والوحدة والسلم الأهلي والاجتماعي كلها في خطر، إلا بعض أقطاب السلطة ورموز الفساد وتجار الحروب والأزمات فيريدون إقناع الجميع بأن اليمن في أمن واستقرار وتقدم وازدهار، وأننا نعيش في أحسن أحوالنا، وأن ما يحدث في المحافظات الجنوبية وفي صعدة ما هي إلا فقاعات وأعمال شغب يقوم بها المأزومون نفسيا والمأجورون للخارج، وأن الشعب سيقف لهم بالمرصاد. وكل يوم يرددون هذه الخطابات التي مل الناس منها وجعلتهم يؤيدون كل أعمال وأحداث مخلة تستخدم ضد السلطة وضد النظام الحاكم حتى وإن كان ذلك على حساب أمنهم الذي افتقدوه والذي أصبح في نظرهم جزءا من الماضي, وعلى حساب ما تبقى لهم من عيش اقتصادي، والذي لا يشبع لهم جوع أطفالهم. هذا التأييد يتخذ أشكالا متعددة قد يكون النظام أعلم الناس بها لكنه يتجاهلها. تتفاقم الأمور يوما بعد يوم، ويتسع السخط الشعبي نتيجة السياسة الخاطئة، التي تدار بها البلد ويزداد الخطر داخليا وخارجيا، وهم لا يؤمنون بهذا الخطر ولا يصغون لصوت العقلاء، بل ويمارسون مزيداً من أعمال الفساد والظلم , وفي الوقت نفسه يرتبون أوراقهم ليوم يفرون فيه بما غنموه، بعد أن يدمروا كل مقومات البلد. ولذلك لا يوجد أمام العقلاء والشرفاء والغيورين على هذا الوطن سوى خيارين لا ثالث لهما: التحرك داخليا بين الناس وفي المدن وفي القرى والتجمعات السكانية المختلفة لخلق حركة جماهيرية واسعة تضغط باتجاه إخضاع السلطة لمطالب الناس ولصوت العقل والمنطق، ولرد المظالم إلى أهلها وتحمل مسئوليتها بجدارة، أو الرحيل والاستقالة, وفي الوقت نفسه تضغط على قادة الحراك الجنوبي الذين هدؤوا الآن لمراقبة ما ستسفر عنه أحداث صعدة، أو بما تسميهم السلطة أصحاب "النزعات الانفصالية" -رغم أننا لا نبرأ بعضهم من تلك النزعة، ولا نبالغ إن قلنا إن معظم أولئك لا يعكسون تطلعات الناس في الجنوب، ولا يحملون هموهم ومعاناتهم بقدر ما استغلوا تلك المعانات التي صنعها النظام لتحقيق مآرب شخصية ولتصفية حسابات سياسية مع السلطة، والتي كان معظمهم يوماً ما جزءا منها، بل وحتى لتصفية الحسابات مع بعضهم- نعود ونقول للضغط على هؤلاء للعدول عن هذه الأعمال التي تضر بالوطن وتعرض مصالحه للخطر، وعن العدول كليا عن منطق فك الارتباط والاستقلال الذاتي لأن هذا المنطق سيصبح ثقافة راسخة لدى الأجيال الناشئة وسيتضررون منه أكثر من غيرهم، وهذا أمر أخطر من الأحداث الجارية اليوم والتي تتحمل السلطة مسؤوليتها الكاملة. بالمقابل الوقوف بحزم ضد كل من يشهر السلاح ضد الدولة، سواء كان مطالباً بحقوق عادلة أو كان مراده التخريب والحقوق لا تنتزع بقوة السلاح وإطلاق الرصاص والتمرد وإزهاق الأرواح وقتل النفس التي حرمها الله ف"لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم"، وإنما تنتزع بقوة الحق والمطلب، ومتى كان التمرد حلا للمشاكل القائمة؟ ومتى كانت محاربة الدولة وسيلة لاسترداد الحقوق وإثبات الذات ومحافظة على قيم الحزب أو المذهب؟ إنها بحق حرب بالوكالة يديرها الطرفان لخدمة أجندة خارجية. لكننا هنا لا نلوم الدولة، فلها كامل الحق في بسط نفوذها على كل شبر في الأراضي اليمنية بأي وسيلة تراها مناسبة، لكننا لا نشرع لها عملية قتل مواطنيها، لأنها جريمة بكل المقاييس، لكن بقدر ما نوجه لها سهام النقد والتوبيخ على ممارساتها السيئة في حق مواطنيها في كل المجالات، يجب أن ندعمها في ما هي محقة فيه وإلا لاختلت سنن الله في الأرض.
يرافق التحرك الداخلي تحرك خارجي بالطلب من دول الجوار والدول الصديقة والتي يهمها استقرار اليمن بالمساعدة في إيجاد الحلول المناسبة، واستخدام علاقاتها مع من يقيمون لديها أو مع من تربطهم علاقة بها لإقناعهم بعدم تأجيج المشاعر الناقمة والمظلومة بتفتيت الوحدة وتعريض الوطن لخطر التقسيم والصوملة -لا قدر الله- وللضغط على النظام للاستجابة لمطالب الناس قبل أن تنفلت الأمور وتخرج عن السيطرة.
أما الخيار الثاني (وهو الخطير) فالتهرب من المسؤولية، وخلق التبريرات التي لن يغفرها التاريخ، وترك الأمور كما هي لتقاد سفينة هذا الوطن إلى الهاوية، وسنكون أول الغارقين، شئنا أم أبينا.