إن العقدة التى يعاني منها الإنسان العربي عامة، واليمني خاصة، هي عقدة العجز عن صنع الأفضل وعدم أخذ العبرة مما مر، وذلك يرجع لتغليب النزعة العاطفية على ما يقره المنطق والعقل. فلو أننا اعتبرنا بما حدث ويحدث لنا فى كل يوم من حالات تردًّ فى الوضع المعيشى وما نعانيه من قمع وإذلال من قبل النظام البوليسي الحاكم، لكان بمقدورنا السعي للتغيير، ومحاولة استبدال الفاسد. لكننا وصلنا إلى درجة من الإحباط تجعلنا نرضى بأي شيء يعطى لنا، مهما كان زهيداً. ففى حين تعيش شعوب الجوار حياة مرفهة نعيش نحن حياة صعبة وقاسية، حلم كل واحد منا أن يوفر القوت الضروري لمن يعول، وأن يظل مستور الحال فقط. وفى حين تنعم شعوب الجوار بالاستقرار نعيش نحن حالة من الاستنفار الدائم، لا ندرى لماذا. وفى حين يسعى حكام دول الجوار لخلق حياة أفضل لشعوبهم، يسعى حاكمنا إلى تضييق الخناق علينا، وحرماننا من أبسط الأشياء الضرورية كالماء والكهرباء والغاز. وفى حين يقوم حكام دول الجوار بإيجاد حلول لأى مشكلة قد تواجه شعوبهم، يقوم حاكمنا وسلطته بخلق الفتن وصناعة الحروب، كي يزج بالبسطاء من صغار الضباط والجنود فيها، بينما يظل كبار الضباط من الأبناء و الأقارب والأصهار والأنساب قابعين في قصورهم يتفرجون على ما يحدث من اقتتال بين أبناء الشعب الواحد عبر شاشات التلفزيون. مالنا وللحروب! لماذا لا نعتبر مما حصل ويحصل في الصومال، وفي العراق، من قتل وتدمير وإراقة دماء؟ لماذا لا يأخذ الشعب بأيدي المعتوهين من تجار الحروب وصناعها ممن يوردون البلد المهالك لمجرد نزعة في نفوسهم الضعيفة؟ أليس كل ما يعانيه اليوم الشعب الصومالي من دمار وحروب وإراقة للدماء كان بسبب تقديسهم للرئيس محمد سياد بري؟ ماذا جنى الشعب الصومالي من ذلك التقديس للرئيس بري؟ لا شيء سوى الحرب والدمار. مات الرئيس بري وظل الشعب الصومالي يقتتل إلى يومنا هذا .. وماذا جنى الشعب العراقي من تقديسه للرئيس صدام حسين والانسياق وراء مغامراته غير المحسوبة العواقب؟ لا شيء أيضاً سوى الحرب والدمار والفوضى .لقد ذهب صدام حسين أيضاً وظل الشعب العراقى جريحاً إلى يومنا هذا. لقد كان العرب قبل الإسلام يقدسون الصنم هُبَل وينسبون له كل الخير الذي هم فيه. والآن لدى الشعوب العربية فى كل بلد هبل مقدس يأمر فيُطاع و تنسب له كل المنجزات. إن سر تقدم الشعوب الغربية هو رفضها طريقة التقديس للزعماء، ووضعهم فوق مستوى الشبهات ، كما أنهم يحكمون بواسطة نظام مؤسساتى مدني، بينما نحن نحكم من قبل نظام فردي عسكري بوليسي لا يعرف إلا القمع ومصادرة الحقوق وتوزيع السيارات للموالين، وهدر ثروات البلاد من عائدات النفط في احتفالات ومناسبات لا يقرها عقل ولا منطق، وذلك كله لمجرد أن يشبع الحاكم غروره ويكيد أعداءه. ورغم كل ما نعانيه بسبب السياسة الفاشلة لسيادته ، يمنّ علينا ليل نهار بمنجزاته وصنائعه التي لا وجود لها إلا في مخيلته هو ومن يدورون بفلكه من السدنة . لقد ثبت بالتجربة أن وراء كل دولة منهارة هُبَل مطاع أو نظام عسكري فاشل، وقد ابتلينا بالاثنين فنسأل الله السلامة.