اليوم الخامس والعشرون من ديسمبر 2011، استيقظ الأطفال في أوروبا من الصباح الباكر، إنهم على موعد مع الكريسمس. الطقس شتوي بارد.. لذا فقد ارتدى كل منهم على عجل ملابس الشتاء الصوفية، وأخذوا أغذيتهم وكراتهم وألعابهم المختلفة التي أعدتها الأمهات من الليل، كأنما على موعد مسبق مع فرح العام الجديد. لا ينسى الأطفال كعادتهم في هذه القارة وهم يهمهمون إلى الحدائق والمنتزهات والشواطئ بأغذيتهم وألعابهم أن يحملوا الحبوب للبط ودود السمك للبجعات حين يداعبونها. حلق بابا نويل كعادته في سماوات القارة يتأكد في طوافة من الأنوار الملونة المعدة للبهجة في الشوارع والحدائق والمتنزهات والزينة التي تبدعها المؤسسات من كل عام في هذه المدن، وأكثر وأكثر.. مرح الأطفال وصخبهم وابتهاجهم بالعام. هابي تو يو good year هنا الناس يتبادلون التهاني فتفِشُّ علب الجعَّة برغواتها وتتنفس الشمبانيا على ضحكات النساء وقهقهاتهم. اطمأن بابا نويل إلى ابتهاج المدن بأنوارها المشتعلة، وحركات الناس وتهانيهم بالفرح والسرور.
عند ذلك غادر القارة إلى السماوات الأخرى؛ سماوات العرب؛ على أن يعود إلى سماوات البهجة ليلة رأس السنة. في ليبيا شاهد ما لم يتوقع. فقعت عينيه مناظر الناس يتمنطقون الأسلحة والقذائف على أكتفاهم، كأنما سيخوضون حرباً أبدية مع أنفسهم. جثث أطفال بين أنقاض وخرائب سقطوا أثناء الحلم في سماء العراق، يهرول الناس في الأسواق والشوارع على عجل كأنما الموت يتربص بهم في كل الأماكن. أن تنفجر قذيفة هنا أو يفجر أحدهم نفسه بعبوة ناسفة هناك، ولا أطفال في الملاعب والحدائق. في سوريا يتساقط الناس والشباب في الشوارع ولا أثر لأطفال في شوارع ولا ملاعب.
في مصر تضطرب مدنها ويغلي تحريرها، ولا يبدو أن الناس- مسلميها وأقباطها- على ما يرام في هذا الكريسمس «ما الذي يجري في مدن هؤلاء العرب؟»، لا أنوار في مدنهم ولا سرور في سحنات الأهالي، ولا أطفالهم يحلمون بمرح ولا شقاوة في الحدائق. حلق البابا في سماء اليمن. كانت المدن والشوارع والقرى مظلمة. في الأرض شاهد متارس من أكياس الرمال، وأكوام الأتربة تسد الشوارع والأحياء ومداخل البيوت والأزقة. الظلام يعم كل شيء عدا أضواء فوانيس شاحبة وشموع تداعبها نفحات الصقيع. ما الذي يراه الآن في هذا البلد السعيد؟ صبية صغار.. صغار في عمر الزهور يتمنطقون البنادق على أكتافهم وحديد الآر بي جي أطول من قاماتهم، وعمرها يتجاوز سنين أعمارهم. شاهد أجسادهم تنتفض من برد الليل.. فليس من شيء يغطي تقوسات ظهورهم سوى تلك الستر الميري سيئة الدفء.. لا ينتظرون شيئاً هؤلاء الصبية، ولن يحتفلوا وربما لم يسمعوا بشيء اسمه الكرسميس. حلّق على بعض البيوت والأحياء في شتى ربوع اليمن، فلا شيء فيها يشي بالحياة. الأطفال مفزعون لا يحلمون بهدايا أو لعب، والنائمون يتنفسون غبار الأتربة وروائح البارود. قد يطلق صبي رصاصة أو قذيفة بطيش منه في مزحة لعب فيشتعل الليل يضيء سماء صنعاء بالقذائف. في شمال صنعاء وأحياء مدينة تعز رأى خرائب بيوت سحقت بالقذائف تناثرت بين أنقاضها دمى عرائس وعجلات سياكل وألعاب أطفال.. حدس أن ثمة أطفالاً سقطوا هنا. تلك المدن وهذه المدينة التاريخية، ما الذي سيهنئ به الناس بعضهم «هابي متارس».. ابتسم بألم. خذيني لملميني أيتها العذراء لك المجد.. الأطفال يشيبون هنا.. حمل بابا نويل ألعابه وهداياه مثقلاً وعاد إلى أوروبا. كانت أواخر شهر ديسمبر يودع العام القديم العام الجديد بأمنياته الطيبة له، والعام الجديد يطبطب عليه بالأفراح والأنوار المشتعلة في كل سماء أوروبا. طاف باب نويل بالأطفال مثقلاً ووزع لهم الحلوى والهدايا «هابي تو يو بابا نويل» «هابي good year أحبائي الأطفال».
لاحظ الأطفال ملامح حزن على وجهه رغم مداراته بالابتسامة. قال له بعض الأطفال وهم يتطلعون إلى سحنته بدهشة: بابا نويل لم أنت مش مسرور في هذه الليلة؟! لمَ أنت حزين بابا في الكريسمس!؟.. تطلع إليهم مكتئباً: هناك أطفال العرب يا أحباءنا ينامون في هذه الليلة بين الظلام والخوف والرصاص.. أحلامهم كوابيس وملامحهم طافحة بأحزان السماء والأرض. لذا فلم يمدوا أيديهم لهدايا ولا لعب. في بلاد اليمن شاهدت صبية صغار مدفونين بين أكوام التراب في الأزقة والشوارع.. أجسادهم ترتعد من البرد، وبنادق الرصاص تذوب على أكتفاهم، لا أعرف لمَ يتربصون ببعضهم في الظلام؟! في الجانب الآخر من المدينة ثمة فلل تضحك بالضوء. الموت يتربص بطفولتهم جميعاً. ولا يعلمون بعيد الكريسمس ولا رأس السنة. لذا كانت نظرات أصدقائكم الأطفال في اليمن لي بلوم.. لوم يا أحبائي كأنما يطلبون حمله لكم. قرأت في وجوههم: لمَ يا بابا نويل أطفال العالم يفرحون ويلعبون مسرورين في كل عام ويحلمون ونحن نموت هنا.. لماَ لا يوقظ أصدقاؤنا الأطفال في أوروبا من أجلنا غفلة العالم؟! لم يأخذوا اللعب ولا الهدايا التي حملتها لهم. لذا أنا حزين جداً يا أحبتي على أطفال اليمن. المصدر أونلاين