تعتلج الساحة السياسية المحلية والدولية المهتمة بالشأن اليمني هذه الأيام بالكثير من التوقعات حول مصير المبادرة الخليجية الموقعة بالرياض في نوفمبر المنصرم برعاية إقليمية ودولية واسعة بين فرقاء المشهد السياسي اليمني، والتي تتفاوت حيالها التكهنات مابين التفاؤل والتشاؤم حول تطبيقها ومصيرها المنتظر حيث تعتبر -أي المبادرة الخليجية- بحسب رأي الكثير من المحللين والساسة على الرغم من كل التنازلات التي تضمنتها، المخرج الأنسب لتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق نحو مجهول لا تحمد عقباه وكأفضل أسوأ البدائل المتاحة والحلول المطروحة إذا ماقارناها ببدائل كانت ولازالت واردة ومحتملة الحدوث في حالة فشل المبادرة وآلياتها التنفيذية كاستمرار الاحتجاجات والاعتصامات وما يرافقها من تعطيل للحياة العامة واستمرار نزيف الدم اليمني، والتي قد تجر البلاد إلى أتون حرب أهلية هي في غنى عنها كثيراً ما راهن عليها صالح وبلاطجته وحاولوا جاهدين إذكاءها مرات عدة و إشعالها بشتى السبل والوسائل ولكن مساعيهم الدنيئة باءت بالفشل بفضل الله سبحانه وبصمود الشباب الأحرار والوطنيين الشرفاء، لذا فإن شهر فبراير القادم يعتبر بمثابة الاختبار والمحك الحقيقي للمبادرة الخليجية والذي سيتقرر على ضوئه إما المضي قدماً في تنفيذها أو فشلها وبالتالي العودة بالأوضاع إلى المربع الأول كون ذلك اليوم سيحسم أمر الرحيل النهائي من المشهد السياسي لنظام أو بالأحرى لرجل حكم اليمن طيلة 33 عام اختزل فيها كل النظام في شخصه وأفراد عائلته والذي إذا ما مر بسلام -أي اليوم المزمع للانتخابات الرئاسية المبكرة- سينقل البلاد فعلياً إلى مرحلة جديدة ومفصلية في تاريخ اليمن تجعل الجميع يؤمن ويدرك بأن الرجل قد غادر القصر وأصبح خارج أسواره عندما يتم انتخاب الفريق هادي رئيساً للجمهورية والذي يعتبر محل إجماع جميع الفرقاء السياسيين الأمر الذي سيسحب من سابقة كل الصلاحيات والامتيازات التي كان يتمتع بها وسيغيبه عن المشهد السياسي إلى الأبد... ونحن نتحدث عن نجاح المبادرة الخليجية من عدمه ينبغي أن ندرك حقيقة هامة علينا أن نجعلها نصب أعيننا وهي أن الوصول إلى هذا التغييب الكامل المتوخى لصالح من المشهد السياسي اليمني وما يعنيه ذلك بطبيعة الحال من استقرار للبلاد يتوقف-فيما نعتقد- على عدة عوامل أهمها مايلي: 1. مدى قوة شخصية المرشح التوافقي الفريق عبدربه منصور هادي وإحكام سيطرته على مجريات الأمور وهي الشخصية التي ثار حولها الكثير من الجدل واللغط منذ بداية الثورة الشبابية وذلك من ناحية كون هادي غير قادر على التحكم بدفة السفينة والإنفراد باتخاذ القرار وعلى اعتبار أنه شخص ضعيف الشخصية لا يملك قراره بيده بحسب من يرى ذلك، وهذا أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء اختياره لمنصب النائب لسنوات طويلة كان يلعب فيها دور النائب(الوهمي)، وعلى الرغم من كل ذلك فإننا نعتقد أن هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد خصوصاً بعد توقيع المبادرة الخليجية وظهور بعض الأخبار والتسريبات حول خلافات حادة جرت بينة وبين صالح خلف الكواليس وداخل الغرف المغلقة لم تطف على السطح أبدى فيها هادي نوعاً من التذمر والاستياء حول استمرار أداءه وتقمصه دور الرجل الآلي (الروبوت) الذي يتحرك بإشارات من صالح كان آخرها الخلاف الذي نشب بسبب كيفية التعاطي مع موضوع سيطرة الجماعات المتطرفة على مدينة رداع والتي توسط فيها عبدالقادر هلال لتقريب وجهات النظر بين صالح وهادي، قد عكست للجميع بما لا يدع مجالاً للشك شخصية رجل آخر أدرك خطورة المرحلة وأهمية أن يضطلع بدورة الوطني ويسهم بفعالية في رسم ملامح المشهد السياسي لاسيما وأن التغيير قد أصبح حتمياً ولا مفر منه شاء من شاء وأبى من أبى، لذا فإن الآمال معقودة عليه بعد الله سبحانه وعلى الرجال الشرفاء من حوله بمختلف انتماءاتهم الحزبية ومشاربهم السياسية والفكرية في إدارة ذلك التغيير وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد وانتشالها من مستنقع الخراب والدمار الذي كادت أن تقع فيه ولازالت على مشارف ذلك الخطر إذا لم تتكاتف جهود أولئك المخلصين لتجاوزها، ولعل الكاتب الرائع الأستاذ/ نصر طه مصطفي في مقال له نُشر قبل عدة ايام قد أفاض في توضيح هذه النقطة والذي نتفق معه إلى حد ما من حيث أن هادي لم يتسن له فعلياً الإنفراد باتخاذ القرار كونه كان مغيب بشكل أو بآخر عن المسرح السياسي، وباختصار شديد (نائب منزوع الصلاحيات)، وعليه فإن الحكم الفعلي على أدائه وقدراته سيتضح جلياً بعد 21 فبراير وهو التاريخ المقرر إقامة الانتخابات الرئاسية فيه وبالتالي إتاحة الفرصة الكاملة أمامه ليلعب دور الحَكَم في الملعب السياسي اليمني، وعلى العموم قادم الأيام ستحسم كل ذلك الجدل ( ويا خبر اليوم بفلوس بكرة ببلاش). 2. مدى تجاوب العقلاء من حزب صالح المتهاوي أو جناح الحمائم كما يحلو للبعض تسميتهم مع صوت العقل والمنطق وما إذا كانوا فعلاً لديهم الاستعداد لتقبل حقيقة فحواها أن البساط قد بدأ بالفعل يًسحب تدريجياً من تحت أرجلهم خصوصاً بعد جمعة الكرامة وما تبعها من موجة استقالات جماعية عارمة من حزب صالح وأن غرق المركب سيودي بحياة الجميع بلا استثناء، ولعل المتتبع لتصريحات الدكتور عبدالكريم الإرياني سيلمس ذلك الخطاب العقلاني بفعل مجريات الأحداث وضغط الشارع، والذي يتعامل مع معطيات الواقع ويدرك بأن التغيير قد حدث بالفعل ويستحيل التراجع الى الوراء تحت أي ظرف كان، وعلى الرغم من إيماننا العميق بمحدودية وقلة أولئك العقلاء في حزب المؤتمر، إلا أن جديتهم إذا ما توافرت في دعم هادي أو على الأقل تحجيم دور دعاة الشر والحرب داخل الحزب المنهار سيكون له بالغ الأثر في نجاح المبادرة الخليجية التي تتطلب تضافر جهود الجميع لإنقاذ البلاد مما يحدق بها من أخطار. 3. جدية المجتمع الإقليمي والدولي في دعم ومساندة الحكومة الجديدة للاضطلاع بمهامها وذلك في كافة النواحي خصوصاً الإقتصادية منها لبلد لايزال يفتقر إلى أدنى مقومات البنية التحتية الأساسية والخدمات العامة اللازمة لإستمرار الحياة من مياه، كهرباء، مواصلات وطاقة..الخ، أسهمت إلى حد كبير في إثارة سخط الشعب وتأليب الشارع ضد حكم العائلة الأمر الذي من شأنه تخفيف ذلك السخط والاحتقان الشعبي، وإعطاء مزيداً من الثقة والمصداقية لحكومة الوفاق الوطني والمرشح التوافقي لمنصب رئاسة الجمهورية هادي. 4.الاصطفاف الوطني لكل أبناء الشعب اليمني وبكل مكوناته السياسية والمدنية والعسكرية إلى جانب حكومة الوفاق الوطني وتذليل كل الصعاب والعراقيل التي قد تقف عائقاً أمام أدائها لمهامها المنوطة بها انطلاقاً من الشعور بالمسئولية الوطنية الملقاة على عاتق الجميع تجاه هذا الوطن. إن جميع العوامل آنفة الذكر إذا ما توافرت ستلعب دور هام وحاسم في نجاح المبادرة الخليجية وتحقيق كامل أهدافها، ولكن وكما كان متوقع فقد كشفت أحداث الأيام القليلة الماضية عن العديد من المحاولات المستميتة واليائسة لتعطيل المبادرة الخليجية وخلق نوع من الفوضى تزداد حدتها كلما اقتربنا من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما أتضح جلياً من خلال مساعي حزب صالح إلى طرح فكرة تأجيل الانتخابات إلى موعد آخر الأمر الذي قوبل بالرفض الكامل من قبل أحزاب اللقاء المشترك، أضف إلى ذلك محاولات صالح وأعوانه (الفطاحلة) اختلاق وافتعال المزيد من الأزمات والتي باتت مكشوفة للجميع بما في ذلك المجتمع الدولي كالظهور المفاجئ وغير المتوقع للتنظيم المسمى بالقاعدة في رداع محافظة البيضاء ودلالات هذا الظهور في هذا المكان القريب نوعاً ما من العاصمة صنعاء، ومن حيث الزمان والتوقيت الذي يسبق الإنتخابات الرئاسية المحسومة سلفاً بإختيار هادي رئيساً للجمهورية، وما تصريحات السفير الأمريكي الأخيرة حول تلك العمليات المفاجئة والمزعومة للقاعدة إلا خير دليل على ذلك والذي أراد منها توجيه عدة رسائل لصالح قبل غيرة أهمها أن اللعبة بالنسبة لنا قد باتت مكشوفة إن لم تكن من قبل، وحان الوقت لتوقفها، لذا ينبغي عليك أن تحزم أمتعتك وتترك الملعب لغيرك، علاوة على رسالة ثانية لصالح يمكن قراءتها فحواها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تعد ترى فيك رجل المرحلة،وبمعنى آخر لا ترى فيك الرجل المناسب لخدمة مصالحها الإستراتيجية في اليمن، بل على النقيض من ذلك بات وجودك يجلب لها الضرر أكثر من النفع، فالأمور أصبحت خارج سيطرتك الفعلية، وبإختصار شديد أنت كرت منتهي الصلاحية بالنسبة لنا، لذلك علينا توقع أن يستخدم صالح كل ما لدية من أساليب شيطانية دأب على ممارستها بقدر الإمكان لعرقلة سير إجراء الإنتخابات المقررة في فبراير والتي بدأها بالتنسيق مع الجماعات المسلحة في رداع، ولانستبعد أن تظهر نفس تلك الجماعات في محافظات أخرى والتي بحسب بعض الشائعات بدأت تستهدف تسليم بعض المواقع للقاعدة المزعومة (لعبة الأمن القومي) في الحالمة تعز لزعزعة السكينة العامة وبث الرعب بين قاطنيها. مما لاشك فيه أن صالح قد اصفرّت أوراقة وأصبح يرقص رقصة الديك المذبوح والذي يحاول فيها أن يرمي بكل السهام التي لا تزال بجعبته -إن تبقى منها شيء أصلاً- ولايهم إن كانت مكشوفة للجميع عله يتفادى مغادرة أروقة القصر الجمهوري ولو لبرهة، وما يعينه له ذلك بالطبع من فقدان حياة كلها سلطة وجاه وظهور إعلامي شبه يومي، والإنتقال الى حياة جديدة قلما تعود عليها يضيع معها فجأة كل ذلك العز والنعيم بعيداً عن الأضواء وعدسات المصورين، متناسياً بذلك أنه وحدة من سيتحمل كامل المسئولية في حالة التراجع أو النكوص عن تنفيذ المبادرة الخليجية لاسيما و أن المجتمع المحلي والدولي يراقب ويرصد بجدية كل شئ يقوم به. وعلى كل كلما بدأ العد التنازلي ودقت ساعة الصفر لمغادرة صالح القصر الجمهوري إلى جهة غير معلومة لاتزال في طي المجهول كون معظم عواصم العالم مترددة في استضافته على أراضيها كالمملكة العربية السعودية والإمارات، يظل السؤال الذي يطرح نفسه وبإلحاح في حالة مغادرة صالح القصر بعد 21 فبراير من بوابته الرئيسية حازماً أمتعته وذكرياته، هو هل سيعود إلى ذلك القصر مرة أخرى من البوابة الخلفية؟ سؤال إجابته- أعزائي القراء- تسترعي منا الانتظار ربما ليس طويلاً لنحصل بكل تأكيد على الجواب الشافي.