في مقابلته مع الجزيرة نت أعلن الشيخ الزنداني رئيس جامعة الإيمان وعضو الهيئة العليا للإصلاح عن مشروع مبادرة أسماها ( الحلول الشرعية للمشاكل اليمنية ) .. أنا هنا لست بصدد استعراض ما قاله الزنداني .. ولكنني أكتب هنا بقصد التساؤل والتعليق على بعض ما جاء في تلك المقابلة .. لأنني أظن أن تمرير ما قاله دون أن نتفحص مضامينه هو نوع من التسليم الأعمى للمقولات التي يصدرها من يصفون أنفسهم ب رجال الدين .. والتي أرهقت الوعي المجتمعي وظلت طوال سنوات ما يسمى بالصحوة الإسلامية هي وقود عواطفه المندفعة نحو الشعارات الدينية دون تفكير أو تحليل أو تفكيك ، ودون حتى وضعها في ميزان النقد ؛ باعتبار القدسية التي يتوهما الناس في كل من يرتدي الزي ( الإسلامي ) – مع أنه لا يوجد شيء اسمه زي إسلامي – ويتمظهر بالمظهر ( الإسلامي ) – مع أنه لا يوجد ما يمكن أن يطلق عليه مظهر إسلامي- . عموماً .. لا أريد الاسترسال في توصيف ما أراه وألمسه من تداعيات ذلك الخطاب العواطفي ، ولكن ما دعاني للإشارة إلى ذلك هو وصف الزنداني لرؤيته لحل الأزمة اليمنية ب ( الحلول الشرعية) ، وأنا هنا أستغرب لهذه التقليعة الجديدة في نعت المبادرات السياسية بأنها ( شرعية ) أي مستمدة من الشريعة الإسلامية ، وليلاحظ معي القارئ الكريم كلمة ( شرعية ) التي وصف بها الزنداني مبادرته التي تثير كثير من الاستغراب والتساؤل ، فإذا كانت مبادرة الزنداني ورفاقه شرعية ومستمدة من الشريعة الإسلامية فماذا يمكن أن نطلق على مبادرة اللقاء المشترك ، والرؤية التي خرجت بها لجنة الحوار الوطني وأعلنتها مؤخراً ، والتي يمثل تجمع الإصلاح – الذي يكون الزنداني عضو هيئته العليا – أحد أهم الفاعلين الرئيسيين في خروج تلك المبادرة بعد مجهود مظن ومعقد ، وشهور من النقاش والحوار والذهاب والإياب والأخذ والرد ، ولا أدري أهي سذاجة من الزنداني أم سوء تقدير أم محاولة لفرض أجندة ( رجال الدين ) من خلال تجيير لفظ ( الشريعة ) لصالحهم وجر الجهد الوطني إلى صراع بين مكوناته ، والتعريض بباقي المبادرات والرؤى الوطنية التي تقدمت بها مكونات العمل السياسي . أنا شخصياً لست ضد أن يقول أحدهم رأيه في الأزمة القائمة ، وأن يقدم رؤيته للخروج من الأزمة فهذا شيء مشروع بل وإيجابي ، ولا يملك أحد مصادرة هذا الحق لا أنا ولا غيري ، لكن تخيلوا معي منظر المواطن العادي المعني بمثل هذه المبادرات حين يسمع أن الزنداني ومن معه من رجال الدين أصدروا حلولاً ( شرعية ) لمشاكلنا اليمنية ، والزنداني رجل دين معروف ومميز بزيه ( الشرعي ) ومنظره أيضاً ( الشرعي ) وبالتالي تخيلوا معي الشرخ العميق في التصور المجتمعي للمبادرات الوطنية ، وحالات الحيص بيص التي سيقع فيها المواطن اليمني ، هل يصدق اللقاء المشترك ورؤيته للإنقاذ الوطني التي يحاول لم شمل القوى الاجتماعية والسياسية حولها ، أم يصدق ما يطلق عليهم مجازاً ( علماء ) والذين يحشرون الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - التي ليس لها علاقة بالموضوع - في خضم رؤاهم ومبادراتهم ، باعتبار أن ما سيصدر عنهم جاء بأمر إلهي وأن على ( العامة ) الرجوع إلى العلماء فقط لمعرفة المخارج ( الشرعية ) والحلول السحرية لمشاكلهم المتراكمة منذ أكثر من ثلاثين عاماً .
ثم ما الجديد في ما قاله الزنداني للجزيرة نت ، وهل يظن أن الحلول ( الكلاسيكية العتيقة ) التي طرحها كفيلة بمعالجة جذور المشاكل اليمنية ، أم هي من جنس الحلول الترقيعية البليدة التي دأبت السلطة منذ ثلاثين عاماً على انتهاجها ، ألا يعي أن المعالجات الجذرية الحقيقية يجب أن يتكلم عنها علماء الاقتصاد والإحصاء والسياسة والاجتماع والقانون ، أم أن هناك تصريح مفتوح ( للفقهاء ) أن يتحدثوا ويفتوا في كل شي باعتبار التكليف الإلهي كما يظنه الزنداني .. حقيقةً لا أدري هل كان يجب عليه أن يكون جزءاً من الحل ، أم أنه يصر أن يظل أساً في المشكلة ، ورغم أن لدي بعض الملاحظات البسيطة حول ما جاءت به رؤية الإنقاذ الوطني إلا أنني أعتقد أنه كان يجب على الزنداني أن يكون أكثر ديناميكيةً وتفاعلاً مع ما جاءت به هذه الرؤية التي شخصت كل المشاكل اليمنية وبادرت بقول الحلول بعمق ومسئولية وتجرد وخبرة ، وأن يجتهد ما استطاع من أجل لم شمل رجال الدين من مختلف المدارس الفقهية حول هذه المبادرة ، لا أن ينأى بجانبه عنها ، ويصدر مبادرات ( شرعية ) جديدة تخلط الأوراق ، وتعمق خوف المواطن العادي ، وتضيف إلى فقره ارتباك وخوف ومزيد من اليأس .
ولست أشكك في أن لرجال الدين دور مهم في المجتمع ولكن ليس إلى درجة إقحام أنفسهم في كل ميادين الحياة بفتاوى ال ( تيك أواي ) ، وال ( فاست فووود ) ، التي ( تخربط ) الخارطة الذهنية للمجتمع ، وتجعله مشتت وغير قادر على الفصل بين الاجتهاد البشري القابل للأخذ والرد ، وبين السماوي المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بيديه ولا من خلفه .
وأنا أرجع ذلك إلى فساد تصور رجال الدين أنفسهم لمهمتهم ، واعتقادهم ( السلفي الماضوي ) أنهم أهل الحل والعقد ، وأن كلمتهم الفصل ما داموا – فقط – يدبجون فتاواهم وخطبهم ومواعظهم ب ( قال الله وقال الرسول ) ، حتى وإن كانت الآية في واد والموضوع الذي يناقشونه في وادٍ آخر .. وكل ما على العامة فعله هو التسليم للمتحدث الرسمي باسم السماء والأرض.
لقد آن الأوان الآن ليعود هؤلاء إلى ثكناتهم ، وأن ينزع الناس عنهم لباس القدسية الباطلة التي تجعلهم أنصاف آلهة ، وأن لا يظلوا يشعرون بأن لهم فضلاً على الناس وأسبقية ومراتب أعلى في الدنيا والآخرة. وأن يقولوا رأيهم في أي مسألة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو غيرها كبقية أصحاب الرأي دون أي ادعاءات فارغة ما أنزل الله بها من سلطان .