بالصدفة توقفت وزميلي مصطفى أمام مبنى في شارع الحصب بمدينة تعز مكون من 3 طوابق وكان مركزاً تجارياً، وحينما انتبهت إلى المبنى وتفحصته أكثر، بدا كواحد من ضحايا الحقد الأعمى والهجمات الوحشية التي طالت الحالمة، ووجدت أمامي رجلاً بلحية بيضاء يحثني على الإطلاع عن كثب على مسرح الجريمة. كنت في اليوم السابق وقبل ذلك بدقائق، أتحدث مع من جلست معهم عن عدم تضرر تعز من ذلك الحقد والإجرام مقارنةً بماحدث في العاصمة صنعاء خاصة في الحصبة وصوفان وماحولهما وحتى هائل والزبيري، وبصورة لا تتفق والأخبار والمعلومات التي كانت تصلنا من تعز، وكدت أن أتورط وأعتبر كل ذلك تهويلاً ومبالغة بل وخداع تعرضت له كصحفي. غبت عن مدينتي تعز عاماً كاملاً، ولم يسبق لي أن حرمت من زيارتها وأقاربي فيها - خاصة الوالدين حفظهما الله- بمثل هذه المدة، وكنت متلهفاً للزيارة لرؤية الأحباب ولقائهم، ولرؤية تعز الثورة، تعز الصمود والبطولة، والاسطورة التي عجز الحاكم عن إخماد جذوة الثورة فيها وماتضخه في أوصال ثورة اليمنيين من حياة وتجدد، وروح تأبى الخنوع والاستسلام وتعض بالنواجذ على السلمية والوحدة والدولة المدنية. كنت في لهفة شديدة وشوق كبير للإطلاع على مسرح الجريمة التي أبكت اليمنيين على مدينة الثقافة والمدنية التي دكتها القذائف وأقلقت سكينتها الدبابات واخترق هدوءها ورقتها البلاطجة والمليشيات المسلحة تعزية الإنتماء أو القادمة من خارج المدينة. ولأن اللهفة كانت أكبر للاقتباس من الروح التي خُلقت منها مسيرة الحياة الراجلة والشوارع التي سارت فيها قناديل الشهادة اليمنية وخاصة من الاناث كعزيزة وتفاحة وزينب، وعلى أحر من الجمر اشتقت لتعز التي انجبت وفاء الشيباني وكذلك الجريحة مريم الكاتب ووالدتها أروى. والاخيرتان منذ ألتقيتهما في مستشفى الأردن بعمان وغادرت غرفتهما وأنا كلي ثقة وإعتزاز وأمل وتفاؤل بأن التاريخ سيسجل خنساوات في ثورات الربيع العربي وستتصدرهن خنساوات تعز. عادت الحياة الى تعز ولازال القلق بادٍياً على الوجوه من عودة المجرمين إلى عادتهم القديمة، توزعت آثار الجريمة في شرق وغرب مدينتي الغالية من الروضة الى الحصب وبينهما شارع جمال والمسبح وساحة الحرية. لكن تنهدات صاحب المركز التجاري المرافقة لكل جملة يشرح فيها طبيعة السلع التي احترقت بفعل قذائف استهدفت المركز وجعلته متحفاً للخراب والدمار ومعلماً للإجرام ومسرحاً للجريمة، حيث رُسمت على رفوفه وطوابقه وعمدانه وأسطحه معالم الجريمة وسطرت خطوطها لتكشف بوضوح حجم الحقد الذي يسيطر على أداء من كان يفترض بهم حماية الوطن والمواطن وممتلكاته. لا تفارق ذاكرتي تنهدات مالك ومدير عام مركز البركة وصورته وهو يشرح لي ماحدث وقيمة بعض ما تلف وحجم وعدد ما احترق، رغم أن الخسائر المالية فقط هي ماخسره ولم يصب الانسان بأذى وهو الأهم، لكنه ظل يؤكد مرة بعد أخرى على أنه ليست قذيفة أو اثنتين أو ثلاثاً أو حتى عشر قذائف حتى يقال إنها خطأ ولم تكن مقصودة، بل هي أكثر من ذلك بكثير. السؤال الذي يدور في ذهن مدير البركة وأصحاب المحلات الأخرى في تعز وهائل والحصبة والباعة المتجولين وغيرهم، وهو سؤال مشروع أوجهه للجميع وخاصة وزير الشئون القانونية الناشط الحقوقي الدكتور محمد المخلافي، هل سيتضمن قانون العدالة الانتقالية تعويضات لمثل هؤلاء الذين خسروا كل شيء ولم يكن لهم علاقة بماحدث؟ وهل سيعترف الجناة بجريمتهم التي ارتكبوها في حقهم وممتلكاتهم كما سيعترفون بجرائمهم ضد الإنسان اليمني وخاصة شباب الثورة السلميين؟.