هن أمه وأخته وابنته، ودّعتهم الهزيمة والبكاء عندما سمعن بمقتله، وتفجر جسدهن هاتفاً للحرية كما كان يهتف هو، واشتركن معه في مواجهة الموت والرصاص بصدرهن وقلبهن على أمل أن ينلن الحرية السورية. ثمة من سماهنّ حرائر سوريا، وخرجت المظاهرات السورية في 13 مايو/أيار من العام الماضي تحت اسم جمعة حرائر سوريا، للمطالبة بالإفراج عن الفتيات والنساء المعتقلات في السجون السورية حينها، وبدل أن تخرج أولئك دخل نساء جديدات إلى المعتقلات لتكتظ سجون النظام الأسدي بشابات في عمر الورود، وليصبح مع الوقت خبر اعتقال فتيات خبراً اعتيادياً يمر كغيره من أخبار القتل السوري الذي يبدو وكأنه لا متناهي.
يمكنك أن تستخف بأي شيء، ويمكنك أن تقف قليلاً قبل أن تصدق بطولات الثورة السورية، ولكن نساء سوريا وفتياتها أو حرائرها - كما يحب أن يسميهن الثوار - خارج خارطة الاستخفاف، وإذا كان الشاب يتظاهر ويعتقل وقد يقتل، فإن الفتاة تتظاهر وتعتقل وقد تقتل، ولكنها قبل كل ذلك تفجع بابنها وزوجها.
8 آذار يوم المتناقضات ومن المعروف أن يوم 8 آذار هو عطلة رسمية في سوريا؛ لأنها تمثل ذكرى الثامن من آذار بالنسبة للنظام، ويوم الانقلاب الذي جعل الرئيس السابق حافظ الأسد رئيساً لسوريا ومن ثم ابنه بشار الأسد، وفي حين يحتفل النظام ويعلن عطلة رسمية تتظاهر شابات سوريات في قلب دمشق للتعبير عن مشاركتهن في الثورة السورية.
وهو يوم المرأة السورية بحسب الثورة السورية، ويوم احتفالي بالنسبة للنظام يستفز مشاعر كل من طالب ويطالب بسقوط الأسد.
ناشطات اعتدن المعتقلات وأودع العديد من الناشطات على مدى سنة كاملة من عمر الثورة السورية المعتقلات والسجون، ومنهن من خرجن منه ليعدن بعد فترة وجيزة، وحدث أن استطاعت العديدات الهروب من سوريا خوفاً من اعتقال أو تعذيب وربما رصاصة تحتل القلب بدلاً عن الحب.
وتطول القائمة بأسماء اللواتي دخلن المعتقل، ونحن وإن ذكرنا بعض الأسماء فهي على سبيل المثال لا الحصر مثل: "سهير جمال الأتاسي وناهد بدوية وسيرين خوري وربا اللبواني ودانة إبراهيم الجوابرة وفهيمة صالح اوسي (هيرفين) ونسرين خالد حسن ووفاء محمد اللحام وليلى اللبواني وصبا حسن"، ولعل اسم الناشطة رزان زيتونة من أكثر الأسماء التي تم تداولها داخل وخارج سوريا خصوصاً عندما أعلنت على صفحتها الخاصة ب"فيسبوك" أن الأمن هاجم منزلها لاعتقال زوجها، وبدلاً من اعتقاله أخذوا أخوه كرهينة إلى أن يسلم هو نفسه.
قصة أضاعت تفاصيلها ويتداول الإعلام الرسمي الكثير من القصص التي تخرج على شاشاته وصحفه يومياً، فمنذ عدة أشهر أعلن شقيق الفتاة زينب الحصني عن اختطافها ومن ثم تقطيعها في مشهد لا يمكن أن يمتّ للإنسانية بصلة، ما جعل المنظمات الإنسانية تطالب النظام السوري حينها بمعرفة حقيقة ما حدث مع زينب، لتظهر زينب على القنوات السورية الرسمية معلنة أنها هربت من بيت أهلها لأنهم عاملوها بعنف، وهو ما كذبه الناشطون مؤكدين حينها أنهم عثروا على جثة زينب مقطعة، ولاتزال إلى الآن قصة زينب غامضة ترزح تحت تأكيد ونفي رواية النظام الرسمية. نساء سوريا أخوات رجال نساء وشابات سوريا لا يجلسن في بيوتهن، ينظمن التظاهرات، ويزغردن لسماع خبر استشهاد أحد أبنائهن، يخرج صوتهن عالياً يكاد يلامس سماء وطنهن، يهتفن لسوريا والحرية، ويطالبون بأخذ ثأرهن من قاتل الطفل والزوج والحبيب. أرجأن حكايا القلب ووضعن فيه صور من طالب بحريتهن ودفع حياته ثمنه.