يوم الأربعاء الفائت عاشت المحافظات الجنوبية والشرقية حالة من الترقب في انتظار ال«تسونامي»، الضيف الذي بدا للعامة للوهلة الأولى خفيف الظل لا يمت بصلة لكارثية وقائعه وتاريخه المشئوم ، إذ طلع علينا وزير الصحة بهيئته الموقرة التي لم يكلف نفسه أن يُظهرها على شاشة التلفاز ورمّزها بخط أحمر في الفضائية اليمنية صُدّرت ب «عاجل»، كم كان الشعب سيسعد لو خرجت علينا يا سيادة الوزير أنت أو أحد الجيولوجيون اليمنيون العظام لشرح ما هو حاصل ورصد الحدث بصورة علمية ومنطقية ، فيبدو أن القائمين على الأم رلم يدركوا بعد أن المخاطب هنا هو شعب تفوقت أميّته على قدرته في قراءة أحداث عالمه وأسكنته عزلة مأساوية ، فليس بمقدوره أن يستوعب أن ما يحدث حاليًا هو أحد توابع الزلازل التي قد تحدث في أعماق المحيطات فتؤدي بدورها إلى موجات من المد العاتية ، فالظريف ال «تسونامي» قتل ما يقارب ال 230.000 شخص في ديسمبر /كانون الأول 2004 ! وبعيدًا عن هلامية التخويفات التي ظللنا في سبيلها نقطف الزهرة تلو الأخرى «في تسونامي , مافيش تسونامي» , في خاطري أن أسأل وزير الصحة عن التدابير التي اتخذها على الواقع تحت فرضية ( التأهب , الجهوزية القصوى , حالة الطوارئ ) , لم نسمع -و نحن الأطباء في عدن - عن وصول أي مستلزمات لمواجهة هذا الخطر المحدق , و لم تطرق أبواب المواطنين في مناطق الخطر لأي سبب كان , كما لم يتم توفير أي خدمة قد تدل و لو من بعيد أن هناك «حالة تأهب قصوى» ..
ليس وحده وزير الصحة من أحب مشاركتنا حميمية اللحظة , فهناك وزير الداخلية الذي أمر بدوره بإنشاء غرفة عمليات مشتركة، فيما بين المحافظات موضع الخطر, ووضع كافة الأجهزة الأمنية في حالة تأهب, لا بل وتشكيل فرق الإنقاذ لتقديم الخدمات المطلوبة في مواجهة الكارثة المحتملة. هذه التطمينات الرائعة التي قدمها المسئولون عن الأمن في الحكومة تضعهم في مساءلة أخلاقية و قانونية عن التقصير الرهيب الذي يمارسونه في تأمين المناطق الجنوبية أمنيًا في ظل هذه الانفلاتات الأمنية السافرة , إذا كان وزراء العمل التوافقي يعتقدون أنهم على أهبة الاستعداد لمواجهة كارثة بحجم تسونامي فنحن بدورنا نعتقد أن كارثة بحجم القاعدة ستكون كوخزة إبرة في هذا العضد القوي و المستعد للأسوأ. كما أني اتساءل كيف وجدت الحصبة و شلل الأطفال و حمى الضنك لها موطئ قدم عندنا يا سيادة الوزير , اتساءل عن المستشفيات المجرّدة من كل شيء في عدن إلا من تطميناتكم المهمة, اتساءل ما الذي تنتظرونه منها في حال أعلنتم «جاهزيتكم القصوى» و من فيها لا يجدون إبرة واحدة يمكن أن تقدمها لهم «جهوزيتك القصوى» , قديمًا كانوا يقولون «الصلاة ع الحاضر» و الآن نقول «الجهوزية ع الحاضر» خير و أبقى .. مستشفى 22 مايو يكاد يكون خاويًا على عروشه , «الجمهورية التعليمي» يعمل يوم , ويوم إضراب , الصداقة «الوحدة حاليا» لا هو بالحي و لا بالميت , في المقابل هناك 62 منظمة غير حكومية في اليمن تقوم بما يستلزم لرأب صدع الإهمال الحكومي تجاه المواطنين و الجرحى القادمين من أبين وبعض المحافظات التي لم تطلها أيادي الدولة الكريمة بعد. اقتراح : مع هذا العدد الضخم للمنظمات غير الحكومية في اليمن ، ماذا لو استبدلنا وزارة الصحة ب« وزارة المنظمات غير الحكومية» ، يبدو أن الأمر سيصبح أكثر منطقية وستسير الأمور على خير أكثر مما يرام . للتذكير فقط : أبين تبدو الآن أحوج ما يكون لهذا الاستنفار الحكومي الطبي و الأمني يا حكومة الوفاق !