حقوق الإنسان إذا كانت تقتصر على فئة دون اخرى و لها شروط و مقاييس و هناك من يحددها، تصبح بهذا حقوق أفراد وليست حقوق إنسان. الحرية حق يؤخذ لكل مطالب بها، وإذا أصبحت محتكرة بحسب قناعات وسياسات، تحتكر لمجموعة دون أخرى هل نستطيع أن نسميها حريه بما أنها تعطى حسب شروط و قيود. عندما يحظى شخص بحقوقه و حريته كإنسان و لكن يعجز عن استيعاب حقوق الآخرين و حريتهم تكون معادلة خاطئة ينتج عنها ظلم و إضطهاد. هذا الإحساس سبب أساسي في خلق العداوة و البغضاء بين الناس، ومبرر لصراعات تبدأ بمطالب وغالبا ما تنتهي بكارثة. أصبحت الحقوق و الحريات مقسمة بين الطرف الأول و هو صاحب النفوذ و المالك الحصري للحقوق والحريات لذا فهو من يضع مقاييسها بحسب ما تقتضيه مصالحه. رغم ان احتكار مثل هذه الأمور يتعارض مع حقيقة ما بنيت مجتمعاتهم عليه، واستخدام الآخرين كأدوات يعتبر انتهاك لكل ما يتشدقون به. أما الطرف الثاني وهم المطالبون بالحقوق و الساعيين للحصول على الحرية، سواء من منحت لهم او من لا يزال قيد الإنتظار او حتى من كان مصيرهم الرفض و التهميش. وبرغم ما يوهمون انفسهم به إلا أنهم في رحلتهم هذه يسعون لجلب انتباه الطرف الأول والسعي خلف استكمال شروط قبولهم ليحصلوا علي مطلبهم. لو نظرنا الى ثورات الربيع العربي لوجدنا الأمر واضح جلي، الشعوب الثائرة سعت لإيصال صوتها عالمياً و كان النصر اسرع لمن كان صوته مسموع اكثر. برغم انه لم يكن السبب الرئيسي إلا انه لا يمكن إغفال اهميتة.
المحرك الأقوى لنجاح الثورة أعتمد إلى حد كبير علي المصالح المشتركة بينهم و بين الدول المانحة «للحرية».فكان من السهل نجاح الثورة التي استوفت الشروط و في زمن قياسي وبأقل الخسائر الممكنة، مثل مصر وتونس. جاء الخلاص من القذافي بأسلوب مختلف يتناسب مع وضع ليبيا و أهميتها وبالطبع كانت المصالح هي التي حركت الجيوش و جعلت السباق علي تحرير ليبيا سريعا و بإجماع كبير . لبيبا وضعها خاص فالمصالح التي تربط القذافي بالأطراف المتنازعة لم تكن كفاية لتدخل احد الاطرف في إنقاذه. السبب يعود لاعتماد القذافي علي الدعم المالي بينما كان تعاونه مع الجميع بشكل متضارب غير منظم جعل تحالفه معهم جميعا ركيك. اليمن كان اكثر تعقيداً بحكم حالة الفوضي التي شكلها النظام السابق، فأصبح حلبة صراع دول متنازعة علي ارض خصبة بالفقر و الجهل و غياب الدولة الحقيقية. سياسة اليمن والتراكمات الزمنية التي اعتمد في مجملها علي تدخل خارجي لم يكن محصور على النظام و حسب ولكن كانت هناك ولاءات كثيرة لأطراف متعددة، جعل مسار الثورة يتجه نحو حلول ترضي الجميع و تحقق مكاسب لأطراف عدة. جاء الحل السياسي مرضي للجميع متجاهل انه يتطلب الكثير من الوقت، طبعا المتضرر الأول والأخير منه هو الشعب اليمني. الربيع العربي في سوريا يعتبر معركة دائرة بين شعب ونظام فتاك، ليس فقط في قدرته على إبادة الشعب ولكن لأن معركته خارجيا كونت له أعداء و في المقابل جلبت له مواليين. برغم مما يقوم به من جرائم إلا ان هناك من يعتقد بأن مؤامرة ضد النظام تقف خلف الثورة وليس رغبة الشعب. المصالح المشتركة التي تجمع الأطراف الخارجية شكلت مخاوف جعلت من سوريا ثورة تسودها المساومات فأصبح الشكل الليبي مرفوض والحل اليمني مستبعد حتى الآن. وإلى أن تصل أطراف النزاع الخارجية الى حل يلبي جزء من مبتغاهم ستظل سوريا بين شقي الرحا. لا تزال هناك ثورة وإن تناسيناها أو غضينا الطرف عنها إلا أنها موجودة، ثورة مختلفة تمام تجري في ظلام دامس، حظيت بتهميش و تعتيم إعلامي يكاد ينعدم حتى أصبحت غائبة تماماً عن خارطة الثورات. الوضع هناك يختلف كليا فالثورة هناك تعتبر نشاز خارج عن قاعدة ممالك مجاورة و وتختلف في مضمونها للحرية. ولأن هذا كله مرفوض كانت سرعة ردة الفعل لإخمادها هو حل الذي يتناسب مع حساسية الأمر. التهميش الإعلامي العربي و العالمي خضع لمصلحة مشتركة غابت على إثرها البحرين تماما وكأنها شيء لم يكن. بالطبع هناك طرف آخر في البحرين وهو أيضاً العدو الأبرز داخليا و خارجياً، و بما ان تدخله يعد عدوان على سيادة ممالك أصبح دورة من خلف الستار غير فعال. مانح الحقوق و الحريات أصبح من يمتلك صكوكها يمنحها كيف يشاء، يعيش وهم اسماه حقوق و حريات وهو لا زال في زمن الاحتكار. انتهاك حقوق الانسان بدأ بهم لأنهم من أجل بلوغها خسروا إنسانيتهم، ولأن الحرية تعني التحرر من كل شي كيف لمن تستعمره المصالح أن يكون حراً؟ الحرية تؤخذ ولا تعطى لأنها إن منحت لا تكون حرية ولكنها منحة نصبح بعدها مملوكين لمن منحنا إياها. والحقوق تعني الحق في امتلاك شيء فكيف نحوله الى هبة نظل بعدها في حكم المديون. عندما يفتقد الإنسان حقوقه وحريته يعرف معنى المعاناة الإنسانية ناقصة وحياة بائسة. رحلة الثورة تبدأ بكائن حي وتنتهي بإنسان، ندرك خلاها ان الإنسان ولد ليكون حراً. هل يمكن لمن مرت عليه مراحلها أن يتجاهل حق الغير في الحصول عليها. الحرية من حقي و من حقك و من حقنا جميعا، ولا تكون حرية إذا استثنت أحداً، وهي لا تأتي من بعيد ولا تكون على حساب شخص أيّن كان. الحرية قد تكون بثورة تنتصر، أو بثورة لم تكتمل و يمكنها ان تكون بثورة أجهضت لكنها أنجبت عدل و مساواة لحرية ليس فيها استثناء او تمييز. الربيع العربي كما أسموه مانحو الحريات اصبح تحت شعار الحرية ليست للجميع، لهذا فإن الربيع مازال بحاجة لصيف يأتي بعده محمل بثمار عربية خالصة لا يحصدها سوانا. صيف عربي تتحقق فيه العدالة لتزدهر الدول الثائرة وتستقر بالأمن والرخاء. سوريا ثورة قيد التنفيذ تذبح و هي تنتظر، لا نصر لسوريا او حرية لزينب الخواجة،إلى أن يأتي الصيف بحرية خالية من المعايير و الشروط ليس فيها استثناء أو إقصاء، عندها فقط نصبح أحراراً.