أكثر الظواهر سلبية في نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية هو ممارسات جلد الذات التي تقوم بها بعض القوى الثورية بسبب نتائج الدورة الأولى.. وهي ممارسات لا تخلو للأسف الشديد من انتهازية حزبية تتمثل أسوأ تراث سنوات العداء بين التيارات السياسية والفكرية في الوطن العربي! على سبيل المثال؛ يصر البعض في مصر على إقصاء حزب الحرية والعدالة والإخوان من مربع الثورة وشطبهم نهائيا منها على نفس الطريقة المقيتة التي يمارسها البعض عندنا في اليمن ضد الإصلاح.. حتى أنهم يرفضون أن يعتمدوا الأصوات الخمسة ملايين التي حصل عليها مرشح الإخوان ضمن النتيجة التي حصل عليها مرشحو الثورة! وكما هو واضح فإن عملية الإقصاء هذه معيبة في حق من يصف نفسه بالثائر ضد نظام إقصائي لا يعترف بالآخر. والأسوأ من كل ذلك أن يتصدى لعملية الكهنوت السياسي هذه أمثال رئيس حزب التجمع اليساري د. رفعت السعيد الذي ظل مع حزبه معارضا ومتحفظا على الثورة ضد المخلوع مبارك حتى اللحظة الأخيرة.. وبثت له تصريحات عن استعداده للتصويت مع الشيطان - أي رجل حسني مبارك- ولا يعطي صوته الإخوان المسلمين (شخصيا؛ أعتبر ذلك بشارة خير بنجاح د. مرسي باعتبار أن السعيد رجل نحس على كل من أيده من الأنظمة الشيوعية وفي مقدمتها: الاتحاد السوفيتي السابق). جلد الذات وصل إلى درجة غير متزنة في هذه الضجة الكبيرة التي يثيرها البعض تجاه الأصوات الخمسة ملايين التي حصل عليها شفيق وكأن التسعين مليون مصري كلهم كانوا مع الثورة.. وهو أمر غير صحيح ولا يتفق مع الطبائع البشرية التي طالما تغنى بها هؤلاء عن الاختلاف بين البشر حتى في مسألة الإيمان بالله فكيف نتصور أن خمسة ملايين مصري اختاروا شفيقا كارثة، ويهدد البعض بالرحيل عن مصر؟ في كل بلد عرف ثورة كان يوجد معارضون لها وثورة مضادة بقدر كبير لا يجوز إنكاره وإلا كان معنى ذلك أننا ندس رؤوسنا في الرمال ونترك لأعداء الثورة الفرصة لينشطوا سرا حتى يفاجئوا الجميع كما حصل في مصر! إن تخلينا عن الأمراض الحزبية في تقييمنا لنتائج الانتخابات المصرية فسوف يبدو واضحا أن الأغلبية أعطت أصواتها لمرشحي الثورة وقادة النضال ضد نظام حسني مبارك: مرسي وحمدين وأبو الفتوح.. وحتى الأصوات الكبيرة التي حصل عليها عمرو موسى لا يمكن أن تجير كلها حنينا لنظام مبارك فالرجل في الأخير نأى بنفسه عنه والذين انتخبوه لم يكن ببالهم أنهم ينتخبون مبارك كما حدث مع شفيق!! وصول شفيق إلى الجولة الثانية كان لأسباب واضحة؛ فهو حصل على دعم مؤيدي نظام مبارك وهم ليسوا دراويش ينشغلون بالجدال العقيم حول الدولة الدينية الإخوانية أو قوافلهم لختان البنات أو التكويش على الدولة وكأن ذلك حرام في العرف الديمقراطي أو يتفرغ أمثال حزب التجمع وبعض القوميين وأبو العز الحريري لشن أوسع حملة تهريج سياسي وإعلامي ضد الإخوان والإسلاميين باعتبارهم الخطر الأكبر! وتركوا الفلول يعملون بصمت ليحققوا نتيجة قوية تجعلهم على أبواب قصر الرئاسة من جديد، وربما يدخلونه إذا لم يستدرك الجميع في مربع الثورة مواقفهم وينتبهوا إلى خطورة عدم التفريق بين خلافات جائزة بينهم وخلافات غير جائزة مع العدو المتربص بهم بل ينام معهم داخل خلافاتهم وأمراضهم الحزبية!