حسني مبارك مات، كان هذا الخبر التي ضجت به وسائل الاعلام، منتصف ليلة الثلاثاء. بعض تلك القنوات الاخبارية استدرك انه (موت إكلينيكي) توقف لوظائفه الجسدية، فيما وسائل اعلام اخرى اكتفت ب«توقف قلب مبارك». ليلتها ذهب بعض من المحللين إلى انها واحدة من اوراق مهارات الاداء السياسية، التي تلعب بها القوى السياسية في مصر. آخذين في إطلاقها بهذا التوقيت، معززين آرائهم، من جهة قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بكم يوم وصعود رئيس جديد وإسدال حقبة مبارك إلى الابد، بشكل رئيسي، ومن جهة ثانية إرباك تجمع الثلاثاء الشعبوي المليوني في ميدان التحرير. ضجة وسائل الاعلام بالخبر، وتكفل المحللون بالعمل على المعلومة، كل على هواه، وبحسب طريقته. لتجعل منه في حالة «لفظته الارض ولم تقبله السماء». وأين يكن الامر، صحى الناس فجر الاربعاء ولم يتأكد الخبر، ولم تقدم اغلب وسائل الاعلام، الضخمة منها، والبسيطة؛ أي جديد في تناولاتها الاخبارية. هذا في تفاصيل مهنة العمل الاعلامي، يسمى بالتخبط، ان لم يوصف بالتضليل المتعمد، وأبعد من هذا، يمكن خلعه بوصف اكثر دقة؛ بالخبر الملون. تمر اكثر من اربعة وعشرين ساعة وتعاود بعض الاخبار لتتصدر عناوينها «حالة مبارك الصحية مستقرة». لندع ذلك جانبا -الآن- في شكل الخبر، ونتعمق في عنصره، ومضمونه، او ما اعتمدت عليه الشائعة. وهو الرئيس المخلوع مبارك. في حقيقة الامر اشعر بأن هذه التناولات تأتي موغلة في الشماتة، بطبيعتي الشخصية لا احب الشماتة؛ اشعر معها بغياب الضمير؛ وكلما انطلقت في المحيط؛لابد للإنسانية ان تتراجع. ببساطة ما يحصل الآن للرئيس السابق لمصر. نوع من التناولات غير الانسانية، مع انه حينما وقف خلف القضبان في اول ظهور له ومعاونيه وابنه جمال وشقيقه علاء، التاريخ يتوقف هنا"قلت هكذا لحظتها. ولكن بطبيعة الحال ما يغضب احدنا، قد يجد طريقا للبهجة لدى اشخاص اخرين. سعدت يومها للمحاكمة التي انطلقت اول جلساتها في 3أغسطس2011، طبعا وبكل جلساتها المتتالية. ولا أنسى ان اذكر بأنني قبل سقوط نظامه بما يزيد عن اسبوع ونصف، وتحديدا في تأريخ 3-2 مطلع العام الفائت، وفي زخم الربيع العربي، كتبت في صحيفة الاولى ضده (فات الاوان) كان ذلك عنوان لمقالي حينها. كنت مع رحيله (الذي تخلى فيه عن السلطة في تأريخ 11 فبراير) جملة وتفصيل. لم اتردد من قبل وحتى اللحظة، عن ذلك، وعن امكانية ان ينال حسني مبارك وأتباع نظامه ومجايله في السلطة، وأشياعه في الفساد، بما في ذلك -نظرائه من الدكتاتوريين العرب- في ان ينزل بهم اقسى دراجات العقاب. وفي حقيقة الامر لم تتراجع قناعاتي؛ كحقيقة طافية -حتى الآن- غير أنني ايضا لا ادري لماذا كلما تمر امامي صورة الرجل، اشعر بأن كمية غير عادية من التعاطف تندفع الي رأسي؟ ربما هي لحظة عقد تصالح مع الكائن البشري الداخلي وعاطفته الحية كإنسان. اقول كإنسان فقط. لأنني معه لن اشعر بالتورط مع هذا الخيار الضاج بالإحساس، والصعب، يستحق استدعائه كنوع من المغامرة، والمكاشفة حتى بكتابته، امام الشهداء والجرحى هناك او هنا. وهذا بصراحة خيار غاية في الصعوبة؛ يحتاج هو الآخر إلى جرأة وإحساس عميق لاستجابة الإنسان لنداءاته الداخلية؛ ربما بقصد التسامح.