أكتب للبسطاء الطيبين من أبناء أمتي، الذين لا نرى صورهم في الصحف، ولا يتصدرون الصفوف الأولى في المسارح. أكتب للذين يؤدون عملهم بصمت، يربون أطفالهم بصمت. يساعدون المحتاج بصمت، رغم أنهم بحاجة إلى مساعدة..! أكتب للذين لا يطلبون شيئا سوى حقوقهم الصغيرة المشروعة، يرفضون أن يريقوا ماء وجوههم من أجل مصلحة عابرة، الذين يمارسون إنسانيتهم ووطنيتهم على طريقتهم الخاصة، فلا يؤذون أحدا ولا ينهشون لحم أحد. ولا يزايدون على أحد لا باسم الوطنية ولا باسم الدين..!
أكتب للذين تمارس كل الموبقات السياسية باسمهم، ويتصارع أصحاب الكراسي باسم الدفاع عنهم، وتخرج السادية السياسية في مدن وقرى كثيرة لتنهش لحم الأوطان، ولتضع يدها على المال الحرام باسمهم وباسم الدفاع عنهم، وهم لا علاقة لهم بكل هذا العبث..!
أكتب للمعلم المخلص في قرية نائية، والأم التي تكدح من أجل خبزة شريفة، والأب الذي يتغرب ويشقى من أجل لقمة أولاده، والطبيب الذي يؤدي عمله بصمت، لا خوفا من نار أحد، ولا طمعا في جنة أحد، سوى ضميره ومحبته للناس..!
أقول لهؤلاء.. إنكم ملح الأرض. إنكم أجمل ما فينا وأعظم ما فينا، لا أحد يقلدكم الأوسمة، ولكنكم وسام على صدر الأوطان. لا أحد يحتفل بتكريمكم، ولكنكم أكرم من كل حفلات التكريم..! إلى هؤلاء.. إلى أجمل ما فينا وأنقى ما فينا، دعوة صادقة للصمود في زمن الانهيار، وللتماسك في زمن معارك الهواء، وللبقاء في مواقعكم أنقياء، تؤدون واجبكم بكل إنسانية وتفوق.
أقول لهم أنتم ملاذنا الأخير، وميناء سفينتنا حين يتنازعها الريح والموج، فلا تضعفوا ولا تنهاروا. أنتم السد الذي يحفظ مدننا من الغرق، ويمنع الجراد الأصفر من أن يأكل الزرع ويجفف الضرع..! انتم الباقون.. أمهات يربين أطفالهن على الخير والمحبة. مدرسون يعلمون الأطفال في مدارس مكتظة ومتهاوية، وأطباء يمارسون أداء المسؤولية في ظل بيروقراطية ونقص في الأدوية، وموظفون متواضعون في كل موقع، يعملون من أجل الناس وهم يبتسمون.
كثير منهم لا يستمع إلى نشرات الأخبار، لأنه يصنع الأخبار..! لا يكترث بالمسرحيات السياسية الهزيلة المعروضة على مسارح متهاوية..! أيها الرجال والنساء المنتشرون في كل المدن والقرى، أنتم سبب الخير، وأنتم أساس الطمأنينة، فلا تحبطوا. أنتم سر بقائنا واستمرارنا. أنتم شعاع النور المنبثق من آخر النفق..! .. قلبي معكم..!
مقال منشور للكاتب رحمه الله في جريدة الشرق الأوسط 2 فبراير 2005م