إنَّ تتبع مسار حوارات الممارسين السياسيين اليمنيين ومحصلتها ؛ يدفع إلى القول بأن الحصاد كان مُراً . فالثقافةُ اليمانيةُ ثقافةٌ غير حوارية مع الأخ والقريب , ولكنها متلهفة للحوار مع الأجنبي والغريب !
تجدهم يحاورون الأجنبي , حينما يَطلبُ هو منهم الحوار . بل إنهم يتسولون مقابلاته , ويخطبون وده , وينشدون زيارته , ويأتمرون بأمره , يأمرهم أن يتحاوروا فيما بينهم فيتحاورون , وإذا قرر إيقافه يفعلون ؛ لأنهم يفتقرون للثقة بأنفسهم وشعبهم , وعظمة حضارتهم , ومنبهرون بقوة الأجنبي , ومولعون بإنجازاته !
بالمقابل تجد فرقاء العمل السياسي في بلادي لا يلجئون إلى الحوار فيما بينهم إلا اضطرارا ! الحواراتُ لديهم هي أقرب إلى المهاترات ؛ يعقدون حواراتهم في الفنادق , وهم يحفرون الخنادق ! يسمون حواراتهم بأنها حوار برامج , بينما هي في الواقع حوار بنادق !
ألم يسجل القرآن الكريم حوار ملكتهم الشوروية (بلقيس) معهم . فقد ( قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ).
ألم يرفضوا الشورى , ويرفضوا الحوار ؛ بقولهم : ( قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) سورة النمل : الآيتان 32و33 ! لقد رفضوا الشورى , ولم يستحسنوا الحوار , وكانوا إلى أهل السيف أقرب , رغم أنهم ( أي الملأ) يُفترَض أنهم من وُجُوه القوم , وكُبراء المجتمع !
إن حواراتهم تفشل ؛ لأنها تفتقرُ لوضوح الرؤية والمصداقية , ويعوزها الثقة . تجدهم (يتحايلون) ولا (يتحاورون) ! (يتكتكون) ولا(يخططون) ! يخوضون في الجزئيات ويهربون من مناقشة الكليات ! يتفقون على المبنى ويختلفون فى المعنى ! يركزون على الشكل , ويُهمشون الجوهر!
في حالات نادرة قد يتفقون , فينبري حاكمهم المستبد , فيُبطل ما اتفقوا عليه ( ألم نتفق فيما عُرف بلجنة المائتين المكونة من المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائه . وتوصلت اللجنة الرباعية إلى اتفاق , قُدم إلى الذي كان حاكماً فقام بنقضه ورفضه , وظهرت مقولة "قلع العداد" وتوقف الحوار , فحضرت الثورة ) !
ختاماً : كي ينجح الحوارُ ويثمر, لابد من توافر حد أدنى من مقومات نجاحه , منها : حضور الثقة والإرادة والمصداقية , والابتعاد عن التحايل والتوقف عن تكتيك التسويف وإضاعة الوقت , وعدم إزاحة المسئولية عن الذات , ووجود (توازن قوى) بين المتحاورين , والاعتراف بالآخر( وهنا الاعتراف بالثورة وأهدافها).
أما مادون هذا , فإن حواراتكم مآلها الفشل , وحصادها سيظل مُرا . ونحنُ بدورنا سنظل نرددُ : لكم حواراتكم , ولنا ثورتنا . ------------------------ عُذراً : أنا أمارس حقي في نقد ذواتنا لا جلدها ؛ فلا يردُ بعضكم عليّ بفزاعتيَّ اليأس والتشاؤم .