أن أردتم أن تقضوا إجازتكم في مدينة جميلة فلا تذهبوا الى هناك... الى عدن... فهذه المدينة الجميلة الساحرة لم يعد يحتمل العيش فيها هذه الأيام الا أهلها الطيبين الصابرين... اعتبروها منطقة محظورة.. منطقة محاطة بحزام خاص يميزها عن المدن التي تلقى عناية فائقة من حكوماتها وهو ليس حزاماً أخضر كما هو متعارف ولا حتى أسود... بل هو حزام ناسف وحسب.. كالذي تعودنا أن يفجر به الإرهابيون هناك حياتهم وحياتنا. دعا البرلماني إنصاف مايو الى إعلانها مدينة منكوبة وسبقه أخي العزيز الصحفي عاد نعمان في وصف أدق فسماها مدينة منهوبة.... وهي كل هذا وأكثر!!! نكذب أعيننا ونقول لا... ان ما يحدث في عدن مجرد صدفة... مجرد معاناة وان زاد حجمها... الا أنها معاناة مشتركة بين جميع المحافظات... وكلما صرخ واحد من عدن او غيرها وقال أن عدن تعاني... عدن تقاسي.. انبرى آخرون له بالقول (كل اليمن تعاني) وكأن قولهم هذا هو الحل أو كأنه المبرر لنكتم ألمنا ومعاناتنا وكوارثنا في عدن. وكل هؤلاء الآخرون للأسف هم بعض إخواننا في المحافظات الشمالية - أكرر وأقول البعض – الذي بدلاً من ان يقفوا معنا في معاناتنا ويحاولوا ان يجدوا حلاً... يجهزون التهمة المعتادة - وصمة العار في نظرهم - ويرموك بالانفصال حتى لو كنت وحدوياً حتى النخاع، وكأن جملة عدن تعاني.. أو الجنوب يريد أو يتطلع... او حتى كلمة الجنوب وكفى... جريمة لا تغتفر! نعم نعترف وندرك أن كل اليمن تعاني مدينة مدينة وقرية قرية وشارعاً شارعاً شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً... لكن لدي سؤال بسيط... هل معاناة أهلنا في صنعاء مثلاً من انقطاع الكهرباء هي نفس معاناة أهلنا في عدن وهل الأوبئة التي ستنتج عن عدم رفع القمامة من شوارع عدن وجميع المناطق الحارة ستكون بحجم الأوبئة أو بقوة انتشارها ان كانت في مناطق غير حارة علماً ان ما تعانيه صنعاء وغيرها من مشكلة انتشار القمامة في الشوارع من حين لآخر ليس حتى بحجم نصف ما تعانيه عدن! عندما ذهب مجلس الوزراء ليعقد إحدى جلساته في عدن تمنيت يومها لو يجربوا شيئاً بسيطاً مما يعانيه سكانها ويحاولوا النوم بضع ساعات دون كهرباء بل على أقل تقدير دون تشغيل مكيفات الهواء مكتفين بالمرواح التي يعيش عليها كثير من سكان عدن... وتمنيت ان ينهضوا من نومهم بعدها (هذا ان ناموا أصلاً وهو امر شبه مستحيل في جو عدن والكهرباء منقطعة) ليتناقشوا وهم في عز الحر كيف يمكن أن تحل مشكلة الكهرباء في عدن وكل المناطق الحارة لعل اجتماعهم هذا في ظل انقطاع الكهرباء سيجعل ضمائرهم تزداد نشاطا فتتفتق دهنياتهم عن حلول عملية وحقيقية لهذه المعضلة الجبارة ويدركون عندها أنها من أولويات مسؤولياتهم. لكنهم من غرفهم المريحة ذات التكييف المتواصل من مولدات كهربائية لا تتوقف، أقروا ضرورة حل مشكلة الكهرباء في عدن بتزويدها بطاقة إضافية قدرها 60 ميجاوات. وبدوا يومها كأنهم قد قدموا أعظم انجاز لعدن وللقضية الجنوبية كلها، وفي حين سخر البعض من ان توفير الكهرباء لعدن فقط لن يحل القضية الجنوبية... تساءل كثير من سكان عدن أين هي حتى هذه الكهرباء... أين هي هذه الميجاوات الإضافية التي ذهبت وعود الحكومة بها أدراج الرياح... بل وحتى الكهرباء التي كانت متوفرة تناقصت أكثر وكأنها غادرت معهم فور مغادرتهم عدن... فهل يذكرني احد... هل وعد مجلس الوزراء بتزويد محافظة عدن بطاقة إضافية قدرها 60 ميجاوات أم وعد باستقطاعها منها... فزاد الطين بلة والهواء نار! لكن المشكلة في عدن ليست كهرباء مقطوعة وقمامة منتشرة فحسب مع ان ذلك كاف لاعلانها مدينة منكوبة، لكن أشياء كثيرة تحدث هنا في عدن في الخفاء والعلن تؤكد ان معاناتها تختلف وان التعاطي مع عدن يجب أن يكون تعاطياً خاصاً دون أن نستثني أهمية ان تحل مشاكل اليمن كلها محافظة محافظة... شارع شارع... دار دار... ففي حين قلعت كثير من مخالب وريش بل ورأس الرئيس السابق نفسه في صنعاء – رغم احتفاظه حتى اللحظة بحجم كبير من قواته فيها – لا يزال يسرح ويمرح بقواته القليلة في عدن دون رقيب وحسيب، هذا اذا فرضنا انه وحده عبر قوات الأمن المركزي والأمن القومي...الخ وغيرها من القوات التابعة لعائلته، وراء مذابح المنصورة والعبوات الناسفة واعتقالات الناشطين في عدن وأخيراً وليس أخراً اعتقال الحسني ومرافقيه في مطار عدن. فإذا كان المشترك بريئاً من جرائم المقلوع براءة الذئب من دم يوسف لماذا إذا أراد أن يتحمل مسؤولية محافظة جعلها المخلوع واحدة من قنابله الموقوتة التي وعدنا بها ؟! ما الذي قدمه محافظ المشترك لعدن منذ تعيينه ومن ذا الذي ينكر انه عندما قامت ثورتنا العظيمة قام المخلوع بمعاقبة كل المحافظات بقطع الكهرباء والمشتقات النفطية وبالانفلات الأمني ولم يفعل ذلك بصورة ملحوظة في عدن لغرض في نفسه، في حين انه منذ ان عين المحافظ الجديد ساء الوضع فيها كثيراً وصارت اليد الطولى للمقلوع هناك تعمل بشراسة أكثر، ألم يفهم أحزاب اللقاء المشترك حتى اللحظة انهم وقعوا في ورطة كبيرة عندما تحملوا مسؤولية محافظات ووزارات لا يستطيعون السيطرة عليها وأن المخلوع أوقعهم في هذه المصيدة التي لا يحسدون عليها لكي يقول للشعب ((هيا انظروا... ألم أقل لكم ان المعارضة شريكتي في الفساد والفشل)) بل ويريد ان يقول اكثر ((ألم أكن أفضل منهم بدليل ان حال البلد كان أفضل مما هو عليه الآن)). يعي البعض منا أن هذا غير صحيح، لكن المواطن البسيط لا يعي ذلك ؛ لا يعي أن السبب الرئيسي في فشل المشترك الان في حل كثير من المشاكل هي العراقيل التي يضعها أمامهم المقلوع وأذناب نظامه الذي لم يسقط بعد، لذا فان قبول المشترك الاستمرار في هذه الشراكة سيحملهم مسؤولية جميع الأخطاء بل وسيضعهم موضع النظام الذي ثرنا ضده وعلى المشترك الان أن يخرج نفسه من هذه الورطة، فان لم يستطع أن يعترف بفشله وينسحب من هذه الشراكة بشرف وأراد أن يتحمل مسؤوليته الوطنية في إنقاذ البلاد حتى اخر المشوار فعليه إذا أن يكون حازماً وحاسماً وان يعالج نفسه من فوبيا (فزاعة الاقصاء) التي يخيفه بها أذناب نظام المقلوع، فطالما والمشترك يقود وزارات ينخر فيها سوس أذناب نظام المقلوع، وطالما المشترك يدير محافظات لا زالت أجهزتها الأمنية بيد المخلوع لن يستطع أن يزيل أي فساد أو يتقدم أي خطوة للامام. لابد من ازالة الفساد من كل شبر في هذا البلد دون أن نضع نصب أعيننا اننا بذلك نمارس سياسة اقصائية، فالإقصاء هنا هو للفساد لا لأشخاص بعينهم، وبعيداً عن العراقيل التي يضعها المقلوع لكي لا ينجح المشترك في حل مشاكل عدن وغيرها، يجب أن يعترف المشترك أيضاً بخطئه في اختيار شخصيات غير صالحه تمثله سواء كوزراء أو كمحافظين وبعضها كان شريكاً في ما مضى في فساد نظام المقلوع بطريقة أو بأخرى، وهنا حيث تزر وازرة وزر أخرى يتحمل المشترك أخطاء وفشل مسئوليهم، ومن الجيد انه أعلن مؤخراً عن عزمه تغيير بعض هؤلاء ونأمل أن يتم ذلك قريباً كما نأمل ان لا يخطئوا فيغيروا الجيدين منهم ويبقوا على الذين أثبتوا فشلهم بشكل ذريع. وختاماً كنا نتمنى لو أن أحزاب اللقاء المشترك وتحديداً الحزب الاشتراكي اليمني الذي وضع عدة نقاط كمقترحات لحل القضية الجنوبية، أن يلح منذ اللحظة على تنفيذ بعضها عملياً حتى يستكمل الحوار أو العمل على تنفيذ بقيتها، ففي خضم هذه المليارات التي تصرف هنا وهناك والمساعدات التي تأتينا وستأتينا من الخارج... هلا تذكرتم المتقاعدين والموظفين الذين سرحهم نظام المخلوع من أعمالهم في الجنوب، ألم تستطيعوا مثلاً إقناع داعمي مبادرتكم الخليجية أن يدعموكم بما يكفي لتعويضهم تأكيداً لنصرتكم للقضية الجنوبية بعيداً عن الشعارات والخطب الرنانة حول الوحدة والجنوب وأهله. دعونا من السياسة جانباً، فقط نريدكم أن توفروا لليمن كلها ولعدن خصوصاً (لخصوصية معاناتها ووضعها السياسي الحساس) الخدمات الأساسية وتعيدوا المتقاعدين والمسرحين الى أعمالهم وتعويضهم، أعيدوا أراضي عدن المنهوبة وأبدأوا برفع أيادي بعض شركائكم عنها، وأوقفوا النهب والبناء العشوائي المستمر فيها، واتركوا أهالي عدن يعبرون عن آرائهم وسخطهم كيفما شاءوا وبطرقهم السلمية المعتادة وذلك دون ان تكتموا صوتهم برصاص قناص... ثم بعد ذلك... بعد ذلك.... ناقشونا في قضيتنا الجنوبية.