الأوقات السيئة قد تمثل فرصاً سانحة لليقظة ولإبداء أحسن ما في الإنسان. ثمة من يختار أفضل الأوقات للإعلان عن أسوأ ما فيه. أحدهم يشمر عن ساعديه للفلفة ما تبقى من قمامة تخلصت منها البلاد بعد طول معاناة، واختناق يرتمي في أحضانها يتبناها ويدافع عن بقائها، ويحاول تدويرها وتسويقها ومنحها الصلاحية، مستخدماً كل قدراته ومهاراته وما توافر له من بجاحة. حين ينتهي الناس من جلاديهم ينبري كسوط أخير جالدا الظهور الجاحدة. يحسب بعضهم أن في مقدوره التبرير للشيطان في حين يبدو أعجز من أن يبرر نفسه وتحولاته الغرائبية وقفزاته البهلوانية من النقيض إلى النقيض.
الأكثر سخرية أن يبكر هؤلاء في تفيّد دور المعارضة بالكامل، قافزين بخفة فوق قسمة المرحلة كأن هذا الدور لا يتطلب الشرف والنزاهة ولا أية التزامات أخلاقية مبدئية. خدم الاستبداد وأبواق الفساد والذين كانوا وما زالوا ألد أعداء التغيير يطالبون اليوم بالتغيير، وبسرعة يحسبون الوقت بدقة وعيونهم مفتوحة على نصف الحكومة، ويبدون فجيعتهم إذا مرّ يوم دون تغييرات متسارعة، ولا يترددون في الحكم على المشترك بالفشل.
عام على حكومة الوفاق ولا شيء تغير. يا للهول! جمال بن عمر كان قد أشار إلى هذا التناقض في موقف الشريك المناصف- غير المنصف- وعمله كمعارضة كاملة وبصورة تهكمية في تقريره الأخير، لمجلس الأمن وواضح أن المؤتمر الشعبي العام يريد أن يجعل أحزاب المشترك تبدي ندامة الكسعي لتفريطها بكرسي المعارضة مقابل كرسي حكم ليس لها منه بعد غير الحافة من كل شيء.
ما هو جلي أن المؤتمر ينفذ تهديداته بأن يرينا كيف تكون المعارضة، نحن أمام حزب نجم عن علاقة غير شرعية بالسلطة والثروة وإمكانات الدولة.
نحن أمام حزب تغذى على الفساد والجريمة ينزل قسراً إلى معارضة لم يخترها ولم يتربَّ على أخلاقياتها وتقاليدها، المعارض الجديد فاسد حكم عريق يعارض بطريقته المعتادة وبذهنيته القديمة وبروح ثأرية منتقمة نراها بوضوح في جماعاته الموكلة بالمعارضات المختلفة، كجماعة الأسلاك، وجماعة الأنابيب، وجماعة القتل الموزعة تحت أسماء ولافتات عديدة، كلها المؤتمر الشعبي العام.