ذات يوم استهجنت قائلة: "إلا اليمن لا يمكن أن تحدث فيها حرب أهلية؛ لأننا نسيج واحد نحيا بألفة في وطني، وذكرت تعايشنا مع اليهود في صعدة ويهود ريدة يجاورون اليمنيين بدون أي مشاكل تُذكر". في ردي على سؤال جارتي المجرية عن إمكانية نشوب حرب أهلية في اليمن، ولم تعد اليمن يمناً، فلقد استفقنا على كابوس مخيف زادت فيه دعاوى الانفصال وتعالت أصوات العنصرية المناطقية (دحباشي، لغلغي، حوثي، قبيلي) مما ولد مسألة التهميش والإقصاء ورغبة في أن يسود فكر دون آخر، وهذا يجعل اليمن على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة. تناسينا أن الوطن ملك الجميع ولا يحق لشخص أو فصيل أو حزب أو طائفة أن يلغي الطرف الآخر، كفسيفساء هو الوطن يحتوي الجميع على اختلاف الأحجار التي تكوّنه إلا أن الصورة لا تكتمل إلا بهم، يجمعها إطار واحد ليكتمل جمالها ومعناها، ولا يكتمل اليمن إلا بنا جميعاً.
ألم نرَ أن أمريكا تكونت من خليط من الشعوب تفرقهم الثقافة واللغة والأصل ويجمعهم الوطن والحلم الأمريكي، ودولة المجر تكونت من ثلاث قبائل وثنية ومثلها مسلمة قدمت من وسط وشمال روسيا بحثاً عن وطن جديد تعاهدوا بحلف الدم من أجل الحصول على وطن جديد يحتويهم وينهي رحلة شقائهم، ولكي يندمجوا مع بقية شعوب أوروبا تحولوا للمسيحية لتتقبلهم.
"ولنا في تاريخنا أسوة" تكونت الحضارة الإسلامية من خليط من الشعوب لم يجمعهم إلا الدِّين رغم اختلاف الثقافات والأصول إلا أنهم شيّدوا حضارة عظيمة وكان لاختلافهم مصدر قوة وإثراء للبشرية بأسرها، فكان منهم من قاد الجيوش وفتح البلدان، وبنوا القصور والجوامع، ومنهم من أسسوا للعلوم التي استفاد منها الغرب اليوم؛ ك: الرازي والخوارزمي وابن سينا وابن الهيثم وغيرهم كثير، رغم اختلاف أعراقهم فلم يُفاضل بينهم في دولة تركت نتانة العصبية، ولم ينفرط عقدها إلا عندما استأثر بالحكم بعض الطوائف التي حاولت أن تقصي الطوائف الأخرى.
إن اختلافنا رحمة، فلماذا نحوّله إلى نقمة؛ نتيجة لجهلنا وضيق أفقنا؟ لقد خلق الله البشر مختلفين لحكمة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. علينا أن نتقبل الرأي الآخر، وأن نتسامح من أجل بناء اليمن الجديد الذي طالما أردناه، ولنتذكر بأن لا إكراه في الدين فما بالنا بالفكر طالما وأنه لا يدعو إلى العدوان والقتل والدّمار.
ولنحتكم لصوت العقل ونترك الأمور التي تفرِّقنا جانبا، فنحن نأكل العصيد في صنعاء أو في عدن ونشرب نفس الماء ونتحدث اللغة العربية رغم اختلاف اللكنات ونتوجّه في صلاتنا إلى نفس القبلة، إن لم نفعل فلنأذن بحرب من أنفسنا على أنفسنا، المنتصر فيها خاسر والخاسر الأكبر هو المواطن!