تُعد التخمة أو البدانة أحد أمراض العصر شيوعاً وأهم أسبابها تناول طعام يفوق حاجة الجسم، ولذا ينصح الأطباء دائماً بمحاربتها قدر الإمكان حفاظاً على الصحة وتجنباً للمزيد من الأمراض، فقد ثبت علمياً وبالتجربة أن التخمة الزائدة لها آثار سلبية على أداء الجسم لوظائفه الأساسية بكفاءة، فالدماغ لا يستطيع التفكير بشكل سليم ولا الأعضاء هي الأخرى تستطيع التفاعل معه وتنفيذ أوامره بفعالية، علاوة على تسببها في الشعور المستمر بالنعاس والإرهاق. وضع المؤسسات الحكومية التي تعاني من ترهل إداري في أعداد الموظفين خصوصاً في المستويات الإدارية الدنيا والمتوسطة ينطبق عليها تماماً نفس أعراض وآثار التخمة التي تصيب جسم الإنسان، حيث يؤثر ذلك الترهل سلباً على سير الأداء ويؤدي إلى ضياع المسئولية بين الموظفين، وهذه الحالة يُطلق عليها مفهوم البطالة المقنعة أو التكدس الوظيفي حين يكون وجود العدد الفائض من الموظفين وعدمه سواء، أضف إلى ذلك أن المؤسسة تتحمل أعباء مالية إضافية.
قد نتقبل مكرهين وجود تلك البطالة ضمن مستويات الهرم الإداري الأدنى والمتوسط شريطة أن تكون بنسب مقبولة لسبب بسيط هو أن الدولة معنية بتوفير فرص عمل لمواطنيها تكفل لهم العيش الكريم خصوصاً في الدول النامية والأقل نمواً والتي تفتقر لوجود مشاريع من شأنها إستيعاب جميع القوى العاملة، لكن أن يصل ذلك الترهل إلى الإدارة العليا المعنية باتخاذ القرارات وتسيير الأمور فالوضع يختلف تماماً لأن قمة الهرم تسترعي انحصار المسؤولية في عدد محدود من الأشخاص وبما يضمن أداء إداري فعال، علاوة على أن المسوغ المنطقي لتقبلنا وجود البطالة المقنعة في المستويات السفلى لايمكن الأخذ به هنا لأن أعداد أفراد الإدارة العليا يُفترض أن يكون قليل ونوعي ويمثل نسبة بسيطة جداً مقارنة بأسفل الهرم وهو مايجعل عملية إيجاد حلول بديلة للتعامل معهم أمراً سهلاً بالنسبة للدولة.
ما نلاحظه اليوم هو أن الرئيس وحكومة الوفاق ما زالوا متأثرين بعقلية النظام الذي خرج الشعب ضده بالأمس، فتجدهم ما يعملون على حشو دوواين الوزارات والمحافظات بوكلاء مساعدين لاحاجة لتعيينهم، ووجودهم يسبب الكثير من المشاكل المالية والإدارية للدولة، وبدلاً من القيام بعملية ترشيق شاملة لكل الإدارات والمؤسسات الحكومية تستهدف تقليص أعداد الوكلاء ومدراء العموم أو على الأقل استبدال الفاسدين بشرفاء وذلك أضعف الإيمان، تطالعنا نشرات الأخبار بين الفينة والأخرى بقرارات جمهورية تقضي بتعيين وكلاء مساعدين لمحافظة هنا أو وزارة هناك عملاً بالمثل القائل «ارحبي ياجنازة فوق الأموات»، والمصيبة أن السواد الأعظم من أصحاب تلك التعيينات هم ممن لديهم تاريخ أسود.
مأرب إحدى تلك المحافظات التي تعاني من هذه المشكلة، فديوان محافظتها الآن يحتوي على عدد كبير من الوكلاء يفوق عددهم احتياجات المحافظة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن المهام المنوطة بكل واحد منهم، فماهي الواجبات التي تقتضي وجود كل هؤلاء، وهل المشاريع التنموية الموجهة لمأرب وصلت للحد الذي أربك قيادة المحافظة وجعلها غير قادرة على التعامل مع الملفات التنموية الكثيرة التي تتطلب جهود أولئك الرجال الأفذاذ، أم أن المحافظة قررت أخيراً تشكيل فريق كرة قدم يحمل إسم فريق المحافظة هدفه المنافسة على بطولات محلية وربما دولية، وإذا كان ذلك هو المقصود فاكتمال الفريق الكروي لازال بحاجة إلى صدور قرابة أربعة قرارات جمهورية ليكتمل عدد لاعبي الفريق!! موضوع يبعث على التعجب والسخرية في آن واحد.
المشكلة التي ستواجه المحافظة الآن هي عدم وجود مكاتب تستوعب الوكلاء الجدد وكمقترح مؤقت للمساهمة في حل هذه الإشكالية نرى أن تقوم وزارة الإدارة المحلية باستيراد عربات متنقلة ليتم وضع المكاتب عليها مع مراعاة تزويدها بمكيفات وغرف للنوم لمساعدة السادة الوكلاء على الاسترخاء والراحة نظراً لعدم وجود أعمال يستطيعوا تأديتها.
الأخ رئيس الجمهورية، الأخ رئيس مجلس الوزراء، لقد خرج بعض أبناء مأرب الأحرار،والذين نحييهم ملتمسين منهم المعذرة لعدم مشاركتنا إياهم نظراً لبعدنا عن قلب الحدث، قبل عدة أيام لإشهار قضيتهم أمام مقر مجلس الوزراء ولم يجدوا حتى من يرد عليهم السلام، وهذا ليس بجديد فقد تجاهلتم تمثيلهم في مؤتمر الحوار الوطني كما تجاهلت الحكومات المتعاقبة حقوقهم الأساسية، وعوضاً عن ترتيب أوضاعهم والالتفات لمطالبهم المشروعة كان ردكم سريعاً بزيادتكم الطين بلة، فكفاكم تجاهلاً لمطالب أبناء هذه المحافظة وحذاري من عواقب تلك السياسة، فالخوف كل الخوف أنكم بذلك تساهمون بشكل مباشر في تحول مصطلح تخريب المصالح العامة إلى مصطلح انتزاع الحقوق عندها لا تلوموا إلا سياساتكم الخاطئة.