كل المؤشرات تدل على أن الشارع السياسي اليمني يزداد سخونة وحركة كلما اقترب موعد الحوار الوطني الذي اقتنع الجميع بأنه السلوك الراقي والحضاري، بل هو الطريق الوحيد الأكثر واقعية لجميع الأطراف اليمنية باستثناء تيار الدمار الذي حكم اليمن لثلاثة عقود، ولقد ارتضت كل الأطراف بكافة أطيافها السياسية الاحتكام لطاولة الحوار وتنفيذ كل ما سيتم الاتفاق عليه فيه. الأمر اللافت والذي لاحظه العديد من المراقبين السياسيين أنه بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمة سياسية خطيرة علي الساحة اليمنية نبهنا عنها مراراً وتكراراً في العديد من المقالات السابقة، وهي الأجندات الخفية لراسمي السياسة اليمنية في الداخل والخارج ونلخص مؤشرات هذه الأزمة في النقاط التالية: 1- البطء الشديد في اتخاذ القرار لدى القيادة السياسية وهناك من يعتبره حكمة والبعض الآخر يعتبره عدم قدرة أو عدم تعود لاتخاذ قرارات حاسمة. وحتى القرارات الحاسمة القليلة التي تم اتخاذها فهي حتى الآن لم ترَ طريقها إلى النور على أرض الواقع. هذا البطء أوجد نوعاَ من عدم الثقة بين الثوار ومن ورائهم الشعب اليمني وبين القيادة السياسية التي أصبحت شبه معزولة ولا تساندها أي شعبية تذكر مما سيحرم القيادة السياسية من المساندة الشعبية لأي قرارات مصيرية قادمة.
2- تململ الثوار والشارع اليمني من هذا الأسلوب الممل للقيادة السياسية والذي عبرت عنه العديد من المسيرات والوقفات الاحتجاجية في العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات اليمنية وعبرت عنه كذلك العديد من الأقلام في الداخل والخارج.
3- السكوت المستمر عن التجاوزات المستمرة للرئيس المخلوع ورجاله في السلطة وبعض المشائخ وغض الطرف عن كل الجرائم التي ترتكب في حق الوطن والمواطنين من ضرب للخدمات وضرب الاقتصاد من خلال تفجير أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء والاغتيالات لرجال الأمن والشخصيات السياسية والاعتبارية وإلصاق التهمة بالقاعدة بأسلوب غير مقنع وأصبح مكشوفا للجميع. هذه التصرفات جعلت العديد من المحللين السياسيين يشككون في وجود اتفاقيات خفية أو أجندات غير معلنة بين النظام القديم والحالي خاصة بعد التلميح بإعادة ابن الرئيس المخلوع لقيادة المنطقة المركزية للجيش اليمني مما يعني تمكينه فعلياً من قيادة قوات في حوالي 7-8 محافظات بدلاً من قيادة الحرس الجمهوري فقط وسيصبح الرجل القوي الأول في البلاد مكافأة له لقتله المئات من اليمنيين وهذه خدعة لن تنطلي على الثوار او على هذا الشعب العظيم.
4- الارتهان والرضوخ للضغوط الداخلية والخارجية من خلال التراخي وعدم تطهير مؤسسات الدولة المختلفة من رموز النظام السابق الذين أصبحوا يعيقون أي تقدم للأمام، فكل الفاسدين في النظام السابق في كل مؤسسات الدولة ما زالوا يحكمون وكل رجال السياسة والدبلوماسية الفاسدة من العهد السابق مازالوا يديرون سفارات اليمن في الخارج بل كانت هناك قائمة طويلة معدة من رجال النظام القديم كانوا يريدون من خلالها استكمال سلسلة رموز الفساد في سفاراتنا في الخارج ولولا تدخل العاقلين من مستشاري القيادة السياسية لتم استكمال المهزلة.
5- مجلس النواب ما زال يتحكم فيه نفس الوجوه القديمة بل بعض أعضائه ممن قادوا عمليات القتل ضد الثوار ما زالوا يتحكمون في مفاصله ويعيقون أي عمليات للتغيير وكذا مجلس الوزراء أصبح مشلولاً لأن نصف أعضائه ممن يرفضون أي تغيير وهم من أعمدة النظام القديم.
6- التدخل الأمريكي وبعض دول الخليج في الشأن الداخلي اليمني يعيق أي تقدم للحالة اليمنية وسيكون هذا التدخل سبباً لفشل الحوار المرتقب، فأمريكا وبعض دول الخليج تفضل استمرار النظام القديم بوجوه جديدة على أي نظام جديد قد تفرزه الثورة، إذا ما نجحت بشكل كامل، وقد تأتي بنظام يكون شبيهاً للأنظمة القوية التي أفرزتها ثورات الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس فهم يريدون أنظمة ضعيفة يتحكمون فيها كما يريدون وتنفذ لهم الأجندة التي تتفق ومصالحهم، ولا يريدون أنظمة قوية تهتم بالنهوض بشعوبها وهذا ما يفسر لنا تقاعس أمريكا والغرب عن دعم الشعب السوري وغضهم للطرف عن كل الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد بحق الشعب السوري، وأمريكا والغرب وعملاؤهم لا يحركون ساكناً ولكن اختطاف اثنين من الفرنسيين في دولة مالي في أفريقيا جعل فرنسا تقيم الدنيا ولم تقعدها واستغلت فرنسا هذه الحادثة فسيّرت جيشاً إلى هناك وبدعم أممي وغربي وخليجي وعربي لأن الخاطفين من الإسلاميين وكادوا أن يسقطوا النظام النصراني في دولة مالي الذي يضطهد المسلمين هناك بشكل كبير وألصقت تهمة الانتماء للقاعدة بالثوار المسلمين هناك لتبرير عدوانها ولتمنع النظام النصراني من السقوط.
7- التدخل الإيراني في الشأن اليمني من خلال تمويل وتسليح الحوثيين وبعض الفصائل الانفصالية من الحراكيين في الجنوب وبمباركة أمريكية خفية تم غض الطرف رسمياً عن كل تلك الجرائم المرتكبة من إيران وأبنائهم الحوثيين تجاه أمن وسلامة الأراضي اليمنية، وعلي الرغم من ضخامة هذه الجرائم ألا أن رد الفعل الرسمي كان دون التوقعات بكثير مما استفز الشارع اليمني بشكل كبير وزاد من حجم السخط الشعبي على طريقة أداء القيادة السياسية مع القضايا المصيرية والمفصلية.
نتمنى من قيادتنا السياسية ألا تدخل اليمن في دوامة أخرى ستعيدنا إلى المربع الأول من جديد لأن كل المؤشرات تدل على أننا نخطو وبخطوات سريعة إلى إعادة إنتاج الثورة من جديد. وهذه التصرفات ستدفع الثوار وبقوة للعودة إلى الساحات من جديد وعلي القيادة السياسية أن تدرك وتستوعب تماماً بأن الثوار لن يرضوا أبداً بغير نجاح الثورة وإتمام التغيير الشامل والجزري في كل شبر من اليمن وفي كل مفاصل ومؤسسات الدولة، ولا أعتقد أن حضور رئيس وأعضاء مجلس الأمن المرتقب إلى اليمن في الأيام القليلة القادمة سيقذف الرعب في قلوب الثوار.