برغم أنه لم يتجاوز عقده الثالث بعد، لكن تزايد مظاهر الإسلاموفوبيا، والتوجس من الآخر في هولندا، مقابل ندرة أو غياب الصوت الناطق باسم شباب الأقليات جعل منه نجماً إعلاميا، وأهّله لأن تختاره جامعة جورج تاون الأمريكية ضمن قائمة أكثر 500 شخصية تأثيرا ونفوذا في العالم الإسلامي لعام 2009. إنه صحفي الجيل الثاني في هولندا عبد الله دامي الذي ولد عام 1982 لعائلة مغربية مهاجرة، وبرز نجمه في وسائل الإعلام الهولندية محاورا بارزا في قضايا الأقليات ومدافعا عن همومهم.
وفي تصريحات خاصة ل"إسلام أون لاين.نت"، يقول دامي: "صدمتني التقارير السيئة والصورة المشوهة التي تنقلها وسائل الإعلام عن الأجانب في هولندا وخاصة المسلمين منهم، وهو ما استنهض فيّ دورا لابد أن أقوم به، حتى إن كان مختلفاً عن تخصصي الدراسي".
ويضيف: "لم يمنعني سوء التوجيه في بداية حياتي التعليمية كغيري من الشباب الأجنبي الذين غالبا ما يوجهون إلى غير ما يرغبون فيه من إثبات دوري وتحقيق حلمي، فواصلت دراستي للاقتصاد بنجاح، وانخرطت في ذات الوقت في العمل الإعلامي الذي يحظى باهتمامي".
وتحت شعار "حان الوقت للصوت الآخر" أنشأ دامي وهو في العشرين من عمره مع مجموعة من أقرانه مرصدا إعلاميا باللغة الهولندية يغطي أخبار الأقليات بحياد وموضوعية اجتذب اهتمام الكثيرين الذين دأبوا على مطالعة موقعه الإلكتروني الذي حمل اسم "ماروك ميديا".
رحلة نجاح
لم تمض سنة على مرصد "ماروك ميديا"، حتى انطلق دامي عام 2002 إلى ساحة العمل الصحفي الاستقصائي، الذي عمد فيه إلى تغيير صورة المغاربة من خلال نقل أحلامهم ومشاكلهم وتطلعاتهم بطريقة جديدة للقارئ الهولندي الذي تعود النظر للأجانب كمجرمين وعاطلين.
وفي هذا الإطار أصدر دامي كتابا بعنوان "الكسكس مع عصير التفاح" وهو لايزال في الحادية والعشرين من عمره، حاول خلاله التأكيد على أن الكسكس المغربي وعصير التفاح الهولندي قد يكونان على طاولة واحدة وليس من الضروري أن يدمجا ويذوب أحدهما في الآخر.
بروز دامي على قاعدة أنه يمثل "صوت الآخر" أوجد له مكاناً في "قناة مسلمي هولندا" التي تبث ساعة تلفزيونية و3 ساعات إذاعية يوميًّا شغل دامي فيها حيزاً كبيراً كمقدم للعديد من البرامج الحوارية والشبابية.
ولم يقف الأمر به عند ذلك، فقد التقطته إحدى القنوات المحلية الهولندية عام 2004 ليقدم برنامجاً بعنوان "من وإلى الشباب"، يتناول فيه القضايا المطروحة على الساحة الهولندية ورأي الشباب فيها، وكان من أبرز حلقاته تلك التي استضاف فيها المخرج الهولندي تيو فان جوخ الذي اشتهر بتعديه على الإسلام ومقدساته وقتل على يد شاب متطرف من أصول مغربية.
تبديد المخاوف
وعن هدفه من عمله التلفزيوني والإذاعي يقول دامي: "أود أن أزيح وهْم الخوف من الشباب الأجنبي وتسليط الضوء على هذا الشباب لتمكينه من المساهمة في معالجة قضايا الحياة اليومية وإبراز تفاعله مع المجتمع المحيط به".
ويتابع "مشكلة شباب الأقليات أنه ينظر إليه على أنه مشكلة وليس طرفا في المجتمع، في حين أن هذا الشباب جزء من مكونات المجتمع، وهو نتيجة لواقع موضوعي وعلى الجميع أن يمد له يد المساعدة".
ويرى دامي أن تأثيره في الشباب يأتي من اقترابه منهم ونقل همومهم وإضاءة الجزء المظلم من حياتهم، على حد قوله.
وردا على اتهام البعض لأبناء الأقليات المسلمة أنهم "ذوو ولاء مزدوج" يستنكر دامي قائلاً: "هذا اتهام إقصائي"، موضحاً أن "الإسلام يعلم الولاء للوطن والأمة معا وهو ما يتناغم مع وضع الأقليات في الغرب".
ويضيف دامي الذي يعتز بالمغرب كجزء من هويته دون أن ينكر اعتزازه بهولندا كبلده الأول: "على المسلمين أن يكونوا فخورين بدينهم وهويتهم، دون إثارة للنعرات العرقية والدينية، وإنما التركيز على ما يجمعنا بالمجتمعات التي نعيش فيها، والإعلام يمكن أن يقوم بدور كبير في إبراز الأمور المشتركة بين الثقافات المتنوعة".
إزالة النظرة السلبية
وحول رؤيته كإعلامي لمشهد الأقلية المسلمة في هولندا ينظر دامي بإيجابية قائلا: "هناك مشاكل تعود إلى أسباب اجتماعية واقتصادية، لكن علينا جميعا النظر إلى شعاع الشمس اللامع في زمن هطول الأمطار".
ويردف: "المسلم يتحمل مسئولية إبراز وفائه لهولندا من خلال دوره كعنصر فاعل وإيجابي، وهناك مبادرات عدة في هذا الإطار مثل أحمد أبو طالب عمدة روتردام ثاني أكبر بلدية في هولندا، ونبهات البيرق كاتبة الدولة في وزارة العدل، وغيرهم من الذين لم يعوقهم إسلامهم ولا أصولهم من أن ينجحوا في أداء دورهم في مجتمعاتهم".
دامي الذي لا يزال في ال27 من عمره يعتبر نفسه في بداية الطريق قائلا: "سأظل أعرض الصوت المخالف والرأي الآخر في الإعلام الهولندي، وسأسمع صوت الغائب وأسعى لإنهاء رمي الآخر من الأقليات بالتهم دون الاستماع إليه أو الحديث معه".
ويرجع ارتباط الناس ببرامجه وخاصة الشباب إلى أنه "يتوخى الصدق في تناول القضايا"، منتقداً تناول بعض الإعلاميين الآخرين لقضايا المسلمين بقوله: "عندما يتعلق الأمر بالمسلمين وبقضاياهم التي تستحق الحوار والنقاش فإن عددا من الصحفيين يلجئون للتركيز على الجزئيات في محاولة لتمييع القضية متناسين دورهم الإعلامي الحيادي والموضوعي".
من جانبه يصف محمد بزياء رئيس تحرير أحد البرامج التي يقدمها دامي إدراج الأخير في التقرير الذي أصدرته، جامعة جورج تاون الأمريكية، بعنوان "500 شخصية مسلمة الأكثر نفوذا لعام 2009". بالتعاون مع المعهد الملكي في الأردن بأنه "اختيار صائب".
ويستطرد بزياء في تصريح خاص ل"إسلام أون لاين.نت": "إنه (دامي) شاب إعلامي يتقدم بخطى ثابتة، ويملك من المواهب ما يؤهله للعب دور إيجابي في الإعلام الهولندي، كما أنه منفتح على التعلم مما أكسبه حنكة في الساحة الإعلامية"، مشيدا بالدور الذي يقوم به دامي في "نقل هموم الأقليات من خلال المنابر المتوفرة له".