مذكرات الزعيم الأميركي التاسع والثلاثين للبيت الأبيض الرئيس «جيمي كارتر» ممتعة للغاية، وهي عبارة عن يوميات كان يسجلها بصوته وتحررها سكرتيرته الخاصة على الآلة الكاتبة، وتضعها في ملفات كبيرة، دون حذف أو «روْتشة» .. ولم يمحُ أخطاءه منها، ولا أحكامه المغلوطة، رغم أن إغواء هذه الفكرة راودته – كما يعترف! كم من الوقت نحتاج إذاً حتى نقرأ شيئاً لرئيس أو زير أو سياسي عربي، مشابهاً لما قاله «كارتر» عن فترة رئاسته للولايات المتحدةالأمريكية، إنّهم يتعاملون مع الرئاسة باعتبارها محطة من محطات حياتهم، مثلها مثل الدراسة أو الزواج أو غير ذلك من أمور الحياة.
الأسبوع الفائت قال الرئيس السابق علي عبد الله صالح لموفد صحيفة «عكاظ» إنه أنهى مجلدين من مذكراته وشرع في الثالث، لكنه فاجأنا بالقول «إنها لن ترى النور حتى أذهب إلى ربّي». وكان بودي لو أن الصحفي سأله: لماذا إذاً لا تُريدها أن ترى النور، يا فخامة الرئيس؟!
لا شك في أن الرجل الأطول حكماً لليمن (33) عاماً، كان بوسعه أن يكتب شيئاً «جيّداً» عن يومياته في السلطة، خصوصاً «الرقص على رؤوس الثعابين» التي لطالما تفاخر بقدرته على إجادته.
كنّا نطمح أن يقول شيئاً بشأن إجهاض حلم اليمنيين بدولتهم، يوم أنْ قُتل ابراهيم الحمدي وتلاشت معه مظاهر الدولة.
تفاجأت كثيراً بإصراره على عدم نشر مذكراته، وهو مَنْ عشق الإعلام والوقوف أمام الكاميرات، وإلقاء الخطابات الرنّانة المحشوّة بالانجازات. مشكلة صالح أنه من النوع الذي لا يحبذ الاعتراف بالأخطاء، هكذا يقول الذين عرفوه عن قرب.
يهدر صالح اليوم فرصة أخرى إلى جانب فرص كثيرة فوّت علينا اغتنامها، وهي أنه كان بودنا أن نقرأ شيئاً عن مسيرة رئيس حكم اليمن ثلاثة عقود، وكنا نود أن نتعرف إلى رجالاته الذين ساندونه وما يزالون، أو الذين ساندوه طيلة فترة حكمه وتركوه في آخر لحظاته إبان اندلاع ثورة الشباب السلمية؛ وكان محظوظاً، بلا شك، إذْ أنه الرئيس الوحيد الذي خلعته ثورات الربيع العربي ثم تركته طليقاً، وبوسعه أن يقول ما يشاء الآن، بينما رفاقه ذهبوا بين قتيل، ولاجئ ممنوع من الكلام، وثالث خلف القضبان مريضاً.
قال عن نفسه إنه أصبح «مواطن صالح»، وهذا مؤشر جيّد إنْ صدق فيه، إذْ البلد لا يحتمل أكثر من وجود المواطن الصالح.
إذاً لنجرب، دعوا الرجل يستمتع بتعهّد شجرة «الطنب» في مزرعته، ولتتوقف كل الاتهامات التي تصوّب نحوه، حتى لا تتكرر مأساة «الإمامة» التي كان صالح ذاته يشير إليها في أغلب أحاديثه باعتبارها بيت الداء لكل ما حصل لليمن ولليمنيين، بينما هي فقط مجرد شمّاعة يعلّق عليها أخطاءه.