دهشت كثيراً عندما اطلعت على ما جاء على لسان الدكتور عبد الله سعيد باحاج في رده على لسان المحرر في صحيفة "المصدر" بتاريخ 10 مارس 2013 العدد 279، حينما قال إن الحضارم ليسوا يمنيين، وإن حضرموت ليست يمانية، والغريب في الأمر أن رجلاً كالدكتور يجهل تاريخ الجزيرة العربية، بينما كُتب التاريخ القديم تدلّ دلالة واضحة، وبما لا يدع مجالاً للشك، على أن حضرموت من اليمن، وهي جزؤها الأصغر. نُسبت هذه البلدة إلى حضرموت بن حمير الأغر. وعُرف حضرموت بهذا الاسم قروناً طويلة بدون انقطاع، وقد تكرر ورود اسم حضرموت في الشعر الجاهلي قبل الإسلام، في مثل قول الشاعر عبد يغوث بن وقاص الحارقي يخاطب الملك اليمني السبئي كرب آل وتر: أبا كرب والأيهمين كليهما وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا
وقد حكم الملك كرب جزيرة العرب كاملة، وعندما خسرت حضرموت بعض أراضيها بحربها مع مملكة أوسان، أعادتها إليها، فيما بعد كرب إل وتر في 3945. وقد تعددت الملوك ممن حكموا حضرموت؛ فتارة نرى ذلك، صدق آل ملك يعقبه معد كرب (بن اليفع يشع ملك معين) ثم التيفع ريام بن اليفع يشع شقيق معد كرب حكم حضرموت ومعين مثل جده، وكان زمن حكم أولئك الملوك الألف الأول قبل الميلاد.
أيضاً كانت حضرموت إحدى الممالك اليمنية القديمة، امتدت من مشارف بيحان، قتبان غرباً إلى حدود عُمان شرقاً شاملة ظفار كلها، أيضاً عبر البحر إلى جزيرة سقطرى. وهذا يكذِّب من يتوقع بأن حضرموت ليس لها صلة بممالك اليمن القديم، وما غزوات كرب إل وتر لبعض المناطق إلا دليل قاطع على أن حضرموت تابع لسبإٍ، وهي الغزوة أو الحملة التي بدأت من "المعافر" في الغرب قريباً من البحر الأحمر إلى "عرفة" في الشرق من أودية حضرموت، ومن ساحل أبين في الجنوب إلى أطراف نجران.
أيضاً إذا كان ما يدعيه الدكتور باحاج من أن اسم حضرموت سبق اسم اليمن قبل الإسلام، هذا الادعاء لم يكن له دليل، فقد كانت اليمن تُعرف باسم "اليمن السعيد" و"العربية السعيدة".. الخ، كما امتد حكم الملوك اليمنيين السبئيين إلى الجزيرة العربية كاملة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وهل الدكتور نسي أو تناسى الملك "حجر بن الحارث"، والد الشاعر امرؤ القيس آخر ملوك أسرة كندة اليمنية، والتي كانت تحكم منطقة نجد في شبه الجزيرة العربية وعُمان، وهذا في منتصف القرن الخامس الميلادي حتى منتصف القرن السادس، وقد قتل حجر في ثورة أشعلها ضده بنو أسد، ووصل مصرعه إلى امرؤ القيس وهو في مجلس شراب في اليمن، فقال قولته المشهورة "ضيعني صغيراً وحمّلني دمه كبيراً، لأصحو اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغد أمر". هذا ما جاء في ديوان امرؤ القيس شاعر العصر الجاهلي في نسخته القديمة الأصلية. أما الطبعة الجديدة، فهناك تحريف للتاريخ والحقائق، وعلى الدكتور البحث عن كتاب "الروائع من الأدب العربي"، في مجلده الأول الذي أنجزته مجموعة من علماء التراث العربي، وأساتذة الجامعة الكبار، تحت إشراف الراحل الكبير الدكتور يوسف خليف، وقد أثبت ما نقوله بعض الكُتاب الكلاسيكيون من أمثال "استرابو، وبيليني، وبطليموس".