أقامت مجاميع عربية في أمريكا موالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد حفلا تأبينيا للراحل الشيخ محمد بن سعيد رمضان البوطي الذي لقي مصرعه بانفجار في احد مساجد دمشق أثناء ما كان يلقي درساً دينياً اعتاد عليه بشكل أسبوعي. قبل أن أبدا لابد من التوضيح بأن اغتيال العلامة البوطي - رحمه الله- يعد خسارة كبيرة على الأمة الإسلامية رغم اجتهاده ووقوفه في صف بشار الأسد الذي يقتل شعبه, لكن دم البوطي يراد له اليوم أن يكون نصيرا لصف الإجرام بعد أن دفع الدم ذاته ثمنا لمواقفه في ذلك الصف رغم أن لمقتله أكثر من رواية لسنا بصدد الحديث عنها- وفي محصلة الأمر الرجل قتل وما علينا سوى الدعاء له بالمغفرة والرحمة وأن لا نتاجر بدمه لتشويه سمعته أكثر بين أبناء بلده المجندلين تحت جنازير دبابات شبيحة بشار الأسد, فلم ينفك التلفزيون السوري التابع لنظام عائلة الأسد من إعادة مقولات البوطي المؤيدة للنظام والطاعنة في ظهر الثورة ليس للإشادة به بل لمزيد من التشويه بسمعة الرجل وتاريخه الحافل بالانجازات وفكره النير الذي مر على كل بيت.
اللافت في حفل التأبين أن من أقامه ودعا وروج له ورعاه هو المركز الإسلامي الثقافي التابع لإحدى الطوائف الشيعية الموالية لبشار الأسد في أمريكا ولها صلات بزعيم حزب الله اللبناني الذي يقاتل عناصره إلى جانب مليشيات الشبيحة التابعة لنظام الأسد بهدف القضاء على الثورة السورية التي بلغ تعداد شهدائها حسب آخر إحصائية إلى أكثر من 90 ألفا وسط صمت دولي وإقليمي.
ودأب الشيعة لاسيما الغلاة منهم على نعت أتباع المذهب السني ب(النواصب وأعداء آل البيت) في حين يقول أتباع المذهب السني بأن الشيعة يبالغون في مديح آل البيت ويألهون علي وابنه الحسين وزوجه فاطمة رضي الله عنهم ويعتقدون أن القرآن ناقص.
ووصفت صحيفة صدى الوطن _ الشيعية - الأسبوعية الصادرة السبت الماضي في مدينة ديربورن بولاية ميتشغن البوطي بأنه عالم " عابر للطوائف والمذاهب" في أسلوب أثار الكثير من علامات الاستفهام لدى شريحة كبيرة من أهل السنة والجماعة في أمريكا باعتبار "صدى الوطن" الصحيفة طائفية بامتياز ولم يسبق لها وهي تغطي أخبار الجالية العربية في أمريكا وتنقل أخبار البلاد العربية منذ أكثر من عقدين على صدورها - أن تناولت في أي من أعدادها سيرة أي من علماء السنة والجماعة الذين تزخر بهم الساحة الإسلامية والدولية ويجوبون العالم منذ عشرات السنين ومنهم من لقي حتفه في صراعات كثيرة دارت بين الأنظمة المستبدة والشعوب التواقة للحرية منذ سنين طويلة.
وكان البوطي واحد من أشهر علماء الأمة الإسلامية في العصر الحديث حيث صدر له العديد من الكتب الفكرية وأخرى تتصل بالتاريخ الإسلامي أشهرها كتاب "تاريخ السنة" وهو الكتاب الذي تجرم المراجع الشيعية اقتنائه لأنه يؤرخ لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- التي ينكرها غالبية الشيعة ولا يعترفون بصحيحي البخاري ومسلم.
ومن الكتب التي لا تروق لغلاة الشيعة أيضا وألفها الشيخ البوطي كتاب "السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي"، يتناول فيه معنى السلف لغة واصطلاحاً والعوامل التي أدت إلى ظهور المنهج العلمي، ويرى أن التمذهب بالسلفية بدعة لا يقرّها أتباع السلف وقد أثار هذا الكتاب انتقاد بعض الصوفية، وكثير من السلفية وسخط غالبية المراجع الشيعية, هذا إلى جانب كتاب "كُبرى اليقينيات الكونية" وهو كتاب في العقيدة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة.
وكان البوطي قد تحدث خلال محاضرة له في نهاية العام 2011م عن الدور الانجليزي في القضاء على الخلافة الإسلامية بقيادة الدولة العثمانية وذكر أن "لورانس العرب" - الضابط البريطاني الذي ارتدى البزة العربية وساهم في التآمر مع بعض العربان في تفتيت تركة الدولة العثمانية - قد أورد في كتابه "الأعمدة السبعة" كثير من الوثائق والأدلة التي تثبت تورط الانجليز في تفتيت العرب بعد خروج العثمانيين... هنا أتساءل لماذا الشيعة يهلكون أنفسهم في التباكي على الشيخ البوطي وفكره وعقيدته أصلا تتنافى مع توجهاتهم وعقيدتهم وما يرنون إليه؟!! دعك أخي القارئ من هذا كله وسترى أن هناك إنكار شيعي متعمد وعداء بائنا لكل ما يتعلق بالخلافة العثمانية التي استمرت أكثر من خمسة قرون بل ظهر من الشيعة من يعتبر تلك الحقبة بمثابة نكسة للعالم الإسلامي وصولا إلى سفينة "مرمرة" التي أرسلت من تركيا مع سفن أخرى مع جمع كبير من الناشطين العرب والأجانب في مجال حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم للتضامن وكسر الحصار على قطاع غزة, وكان دور الإعلام الإيراني يومها خجول جدا من تغطية أخبار "مرمرة" بعد أن تعرضت للاعتداء من قبل الجيش الإسرائيلي في عرض البحر, ناهيك عن قناة العالم التي اكتفت بإيراد أخبار مقتضبة عن تلك الحادثة ولم تكلف نفسها إرسال مندوب يطلعها على آخر التطورات من على متن السفينة كما فعلت كثير من القنوات العربية والغربية آنذاك.
وكان البوطي قد ترضى عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه- في مداخلة له على قناة المستقلة التابعة للدكتور محمد الهاشمي بعد أن سأله الهاشمي سؤالا فيما إذا كان يترضى عن معاوية بن أبي سفيان أم لا؟ فرد البوطي" أنا أترضى عن صحابة الني - صلى الله عليه وسلم- جميعا ولا شك بأن معاوية واحد منهم والمعروف عند الشيعة أنهم يكفرون معاوية -رضي الله عنه- ويرمونه بأقبح الألفاظ.
مرة أخرى لماذا تأبين البوطي والنوح عليه وتحميل ثوار سوريا البريئون من وزر دمه براءة الذئب من دم يوسف, وقد خرجت تصريحات كثيرة من قبل قيادات المعارضة السورية وعلى رأسهم الشيخ احمد معاذ الخطيب الذي اعتبرها جريمة نكراء نافيا أي صلة للثورة بدم البوطي وكذلك فعلت الألوية والكتائب المقاتلة على الأرض السورية عبر إصدار بيانات إدانة وشجب "الحادث الأليم".
المخرج السينمائي محمد بايزيد حلل مقطع الفيديو -القصير جدا- الذي سرب عن الحادثة التي قتل فيها البوطي واستخلص المخرج بايزيد أن المقطع حقيقي مائة بالمائة وأنه سرب عن طريق الخطأ ربما وأورد بايزيد تفاصيل دقيقة عن المقطع لافتا الانتباه إلى أن طبيعة أي انفجار يحدث ذعر لدى القريبين منه على عكس ما ظهر خلال المقطع الذي بدا فيه أناس يهرعون نحو البوطي الذي كان يصلح عمامته بعيد الانفجار مباشرة كان أولهم واحد قال بايزيد أنه هو من أجهز على البوطي من خلال إمساكه رقبة البوطي بيده اليمين وفي الأخرى ربما كان مسدسا يحمل كاتما للصوت وكان البوطي بعد الانفجار الصغير ظهر وهو يحاول تعديل عمامته ومتماسكا ولم يكن عليه آثار دم بينما بعد انسحاب الشاب الذي امسكه في رقبته وانصرف بدت الدماء على وجه البوطي وفمه.
لسنا ضد ذكر محاسن البوطي ومناقبه في أي محفل بل اعتبر نفسي مدين للبوطي كوني قرأت واقتنيت بعضا من كتبه الفكرية, لكن أن يأتي المتزلفون والمتنطعون ليدلسوا على الناس ويتباكوا على الشيخ البوطي لغرض سياسي بحث وبعيد كل البعد عن التدين والفراغ الذي خلفه البوطي في الساحة الإسلامية فهذا مرفوض, في حين أن الجالية العربية والإسلامية في أمريكا تعاني من كثير من المشاكل والتناحر المؤسساتي فيما بينها ومن تصرفات وتوجهات بعض الصحف "الطائفية" مع كل أسف!!!