تصدمنا حقائق الوجود أحيانا رغم تكرارنا القول بثبوتها وتشدقنا بالإيمان بسنن الكون، فلطالما تحدثنا عن خصوصية كل بلد وما حباه الله من تفرد لأمر معين، ولكننا امام حقيقة معينة نعجز عن الاستيعاب، ونتساءل لماذا يصبح الأمر مختلفا هكذا؟ هل يحتّم التغيير في سوريا كل هذه المجازر الصادمة واللا انسانية، وكيف تحولت الكلمات المسالمة الى مشانق وقاذفات، والى متى يطول عذاب سوريا تحت سمع وبصر العالم؟ هل أصبح ما يعانيه شعب سوريا شأناً داخلياً، في حين لو فكرت دولة ما بتطوير أسلحتها لأصبح شأناً عالمياً يتبرع فيه الجميع بضربة جوية لإيقاف هذه الدموية المتوقعة من تطوير أية أسلحة.
سوريا النابضة بالألم حين سارت في قافلة الربيع الحزين فضلت ان تموت واقفة بدلا من الحياة راكعة لأسوأ نظام قمعي مستبد متألّه، وأدركت بأن طريق الحرية صعب يعبد بالدماء، وأي دماء! إنها شلالات متدفقة صدمنا من عمق قلوبنا قسوة من أراقوها وصبر من سالت من شرايينهم.
انما لماذا كل هذا الألم المدخر لسوريا، وهل من حكمة يزرعها الله في قلوب المسلمين وهل ينبثق من رحم الموت حياة وكرامة للأمة بأكملها؟
هل ستمر ثورة سوريا كبقية ثورات الربيع العربي المليئة بالبثور والأوجاع ام انها مقدمة فقط لثورة شاملة وأكبر تزيح عن جبين الدين الإسلامي والوطن العربي كله مخرز الشيعة المسموم وجور باطلهم؟
«ما لهم غيرك يا الله»..
حقراء أولئك الذين يفلسفون ثورة سوريا ويحومون حول تسليح الثوار وكيف ان البلد انزلق نحو دوامة حربا أهلية لا أحد يدري متى تنتهي.
ماذا كان ينتظر هؤلاء ؟... ان يرتوي بشار من الدماء ذات صباح ويكف عن القتل ام ان ينتهي شعب سوريا ذات يوم وتخلو سوريا من الأحرار ليحيا فيها العبيد من جديد؟
بدلا من الخوض في أيهما أسبق البيضة ام الدجاجة، وهل على السوريين ان يدافعوا عن انفسهم ام يموتوا جميعا مسالمين او مشردين... مدّوهم بالسلاح والعتاد فلا يفلّ الحديد الا الحديد.
أهذا ما تنتظره سوريا من الإنسانية جمعاء بعد ان فقدت الأمل برابط الاخوة والدين.
انما يا سوريا يخطئ المرء في طريقه الى الحرية مرتين الأولى حين لا يكمل من جور الألم والظلم، والثانية حين تأخر كثيرا في رحلة الحرية وازيدها ثالثة: يخطئ الحر حين ينتظر نصرة العبيد.
ولتكن أغنية المساء والصباح وترتيله لجوف الليل وعقيدة السوري الحر وهو يذهب للشهادة «ما لنا غيرك يا الله»
يبكينا ألماً وينتزع الدموع من قلوبنا ذلك الشاب السوري المهاجر، وقد استوطن علم سوريا الحرة كل جوارحه، فهرول حاملاً علم وطنه الذبيح ونشر روحه الطليقة في أرجاء ملعب للكرة، قاطعاً مباراة لنظام بشار مع الدولة المضيفة، ليقول للعالم ان هناك سوريا حقيقية مقهورة وليس أؤلئك اللاعبين على أشلاء الضحايا.. تبكينا شجاعته وهتاف الجمهور «سوريا حرة» بنفس القدر التي تبكينا مناظر جثث البراءة والطفولة ممزقة ومتداخلة في تلاحم أرواح الشهداء والأنبياء. ارحموا عزيز قوم ذل
اللاجئون السوريون هم كمن يتعلق بقشة حتى لا يغرق والا فالتشريد نوع من الموت البطئ. تنسل الروح من الجسد دون ان يحس ذلك البائس الذي ألقاه قدره في أيدي اللئام.
فلم يكفه القتل في بلده وتدمير لممتلكاته وفقدان أقربائه وأحبائه وبيع ومتاجرة بأعضاء جسده كقطع غيار، واخيرا تشريد ولجوء في دول لم ولن يكون خيارا محبذا اللجوء اليها وانما مكره أخاك لا بطل، فارحموا عزيز قوم ذل وكفى غمزاً ولمزاً ومتاجرة بأعراض المسلمين.