وأنا أنهي كتابة هذه السطور يكون قد تم الإفراج عن معتقلي الثورة.. لإيماني بأنه لا يضيع حق وراءه مُطالب وإن شباب الثورة سيظلون مخلصين لفكرة الثورة ولأنصارها طيلة حياتهم. من يستطيع أن يفارق مصدرسعادته وهكذا كانت الثورة مصدر سعادة للثوار وهم ينقضّون على الديكتاتور! ليس مكان شباب الثورة السجون، بل التكريم واتخاذهم القدوة، فهم من حررونا من إثم الصمت، وعبودية الاستسلام.. لو قِيلت حكايتهم لسطّرت ملاحم من التضحية والحب لهذا الوطن، فكيف نسجن محباً ونترك الكارهين وهم الأولى بالسجون.
إنهم رحلة البحث عن وطن لا يكون فيه المُحسِن مداناً والمذنب مكافأً، وطن يتسع للجميع على أسس المساواة والعدالة، حكاية أغنية تالية للشهداء الذين ضحوا بدمهم لأجلنا، كما كان المعتقلون احتمالاً في صفوف الشهداء.
إنهم خرجوا لنتحرر، تَعبُوا لنرتاح، ولنصل إلى كل هذا الوضع الذي ينتج وزيرة كالسيدة حورية مشهور تُضرب عن الطعام وتعلق عملها في الحكومة للإفراج عن معتقلي الثورة المسجونين دون حقِّ، ولنصل إلى هذا المخاض اليوم، الذي عبّر عنه الدكتور عمر عبد العزيز- عضو مؤتمر الحوار الوطني في أحد حواراته وأعيدها هنا لأهميتها في وجْه من يُشهر سيف اليأس في وجوهنا “أعتقد أن هنالك جدلاً خلاّقاً في المجتمع اليمني، وهذا الجدل الخلاق واضح المعالم، فما نقوله اليوم لم نكن نقوله قبل سنوات، وما كنا نقوله في المرحلة الانتقالية وبعد المرحلة الانتقالية ما كنا لنقوله في ظل نظام الشطرين.. تبعاً لذلك،هنالك اعتمال داخلي يحصل في المجتمع ويأخذ طابع المخاض. لكن هذه المخاضات في المجتمعات البشرية، هي السبيل الموضوعي والجبري للولادة، تماما كأي قانون طبيعي. وبالتالي، كل ما نراه الآن هو عبارة عن مخاض عسير وحالة من التفاعل الجدلي، وحالة من الحيرة. ولكن هذه المسائل في نهاية المطاف، تصب في مجرى التفتيح لخطاب جديد، لمنطق جديد في المواطنة..التفتيح لرؤية جديدة في الحياة.
اليوم نحن نتكلم عن وطن أكبر، ونتكلم عن ذاكرة أشمل، ونُعانق مستويات معرفية وتعليمية ومهنية متعددة ومتنوعة، ونتكلم عن حالة موضوعية عالمية تفاعلية، حيث نستطيع أن نكون رافداً بنّاءً في هذا العالم، ويرانا العالم أيضاً بعدسات مبصرة ودقيقة.
كل هذه العوامل لا بد لها أن تؤثر على المجتمع، ولا بد لها أن تعطي أملاً في إمكانية تدوير الملعب السياسي على قاعدة اللعبة الديمقراطية، واللعبة الديمقراطية ليست لعبة مثالية في إطلاقها، ولكنها تنتمي لفن المُمْكن السياسي والعملي، من أجل الخروج من حالة إعادة إنتاج ثقافة الماضي .. ثقافة الاحتراب .. ثقافة الالغاء المتبادل.. ثقافة التنافي العدمي، ثقافة القطيعة الابستمولوجية مع الأنا والآخر الإنساني. تلك الثقافة التي رمتنا في مجاهيل “السيكوباتزم” والفصام، على المستويين الشخصي والمجتمعي.