لم أزر تعز منذ عام 2011م عام التغيير الذي بدأه شباب المدينة، وهي مدينة في مرتفعات اليمن الجنوبية تقع على سفح جبل صبر، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي (256) كيلومتراً، يسكنها أكثر من اربعة ملايين مواطن، هذه المدينة الخصبة والغنية بما تمتلكه من ثروة شبابية وثقافية ضخمة قادرة على صناعة المستقبل بأفضل وأجمل صوره، كذلك تكاد تكون المدينة الوحيدة التي لا ينتشر فيها السلاح بين أبنائها مقارنة بالمدن اليمنية الاخرى ولا تبعات حمل السلاح مثل ازدياد معدلات القتل والثأر والتقطعات وانتشار الفوضى والجريمة، وتماك أعلى نسبة مثقفين في البلاد وأكبر مصدر للقوى والأيدي العاملة لجميع محافظات الجمهورية، فلا تكاد تخلوا جامعة او مدرسة أو معهد أو مؤسسة حكومية او مصنع إلا ووجدت فيه استاذ وطالب وعامل وطبيب و..الخ من أبناء هذه المدينة. وهذا هو الانطباع العام والسائد عن مدينة تعز، إلا أني سأكتب هنا عن انطباعي الشخصي لهذه المدينة بعد زيارتي لها خلال اليومين الماضيين، كلنا نعلم أن الفضل بالتغيير الذي تشهده اليمن بعد الله عزوجل يعود لأبناء مدينة تعز، فقد صدرت تعز أبنائها لكل ساحات الثورة بقيمهم وأفكارهم وشجاعتهم وكانوا من اوائل المنظمين والمؤسسين للساحات والمسيرات، حتى حصلت على أعلى معدل من الشهداء خلال الثورة.
اليوم في تعز تجد مالا تسر به، فالشباب يأس واتجهت أفكاره من السلم إلى العنف، ومن الثقة بالنفس إلى الاستسلام للواقع والتبرير له بنظرية المؤامرة ليس على قضايا عامة فحسب وإنما على قضايا شخصية ايضا، وكأن الشباب الذين صدرتهم تعز للساحات لم يعودوا إليها أو أنهم تركوا السلام وأخذوا العنف فقدوا الشجاعة واكتسبوا الاستسلام.
عٌرف عن تعز أنها المدينة الوحيدة التي لا تشهد ظاهرة انتشار السلاح بين الشباب لكن من يزورها هذه الايام لن يصدق أن هذه المدينة لم تعرف انتشار السلاح من قبل، تعز الذي لم تعتاد يوما على عبارات من قبيل قتل على أيدي مسلحين أو خطف على أيدي مسلحين أو حرب بين قبليتين، فالقتل والخطف موجودين فيها وحرب القبائل تشهده قريتي (قراضة المرزوح) على بئر ماء منذ أكثر من شهرين ولا أحد يحرك ساكنا لا رسميا ولا شعبيا ولا شبابيا.
تعز التي لم تلفظ يوم لغة الطائفية هاهي اليوم تحتضن الطائفة با أبشع ما فيها من جدال عقيم ومرهق ومحفز للاقتتال بين أبنائها وما إلى ذلك، الشئ الخطير في أمر الطائفية هو أن من يغرسها في شباب المدينة بحجج ووسائل وسلطات استطاعوا من خلالها التأثير عليهم، هم مثقفي المدينة الذين تفجرت على ايديهم الثورة ها هم اليوم يغرسون التطرف والطائفية بين الشباب.
لذلك لا تستغرب أن تجد نفسك أمام شاب متطرف متعصب لأفكار لم تتوقع يوما أن تغزوا هذه الافكار على مدينة الثقافة تعز، ولا تتعجب أن تجد مثقفي المدينة قد أصبحوا أقلام ضعيفة ورخيصة ومتطرفة.
«ليس ثمة سلطة تعلو فوق سلطة العقل، ولا حجة تسمو على حجته» فالأجدر بالشباب مخاطبة عقولهم عند السماع لأفكار الاخرين، قبل الايمان والاستسلام بل والتطرف لهذه الافكار كما يقول فرويد.
ولا بأس أن يكون متطرف الافكار والمتعصب لها «مختلفا» ما دامت التاء لم تسبق الخاء.
لا يمكن أن اوصف لكم مقدار الحزن الذي يتملكني منذ مغادرتها، وأحيانا ينتابني شعور بأن تعز انتفضت وضحت بأبنائها من أجل النهوض بباقي المدن، ولكن هذه المدن صدرت كل مساوئها وسلبياتها إلى الحالمة تعز.
هذا الكلام ليس حقدا او مكايدة أو حملة تشويه لعاصمة الثقافة وإنما هو نتاج آمل انقلب الى ألم على مستقبل هذه المدنية بشكل خاص واليمن بشكل عام، وانتقاد ذاتي لسلوك ما بعد الثورة.
في الاخير «هنالك فرق بين من هو مشغول بتحقيق أحلامه، ومن هو مشغول بتفسيرها» فعودوا إلى طبيعتكم في تحقيق الاحلام ولا تمكثوا فقط في تفسيرها.