قليلة هي المبادرات الفردية التي ينفذها أبناء تعز لمدينتهم، وما عدا العمل الحزبي المنغمس في السياسة لا غير فلن تجد، كأنها ميزة يمنية خالصة الإنجاز المعتمد لا المستقل. تعز المفترى عليها، تفتح صدرها للمدنية وبذات الوقت لديها الاستعداد للتعامل مع التخلف والعنف والجماعات المتعصبة، تقف مع الثورة لكن شخصيات منها أركان أساسية من أركان الثورة المضادة حتى وإن لم تجاهل البعض ذلك. تعز تعيش على ماضيها كعامل لبعث الاطمئنان أكثر من كونه واقعا حقيقيا، وهو لا يكفي لتكون مبعث المدنية وعاصمة الثقافة. تعز تعمل ضمن المجموع فتتميز، لكن هويتها الخاصة تتراجع وتتهاوى يوما بعد يوم وأفكارها المدنية قابلة للانحلال. وإذا لم تنتج المدينة «الحالمة» كل يوم جديداً إذا لم تنتعش فيها المبادرات الفردية والجماعية، إذا لم تبحث عن هويتها الحقيقة وتعمل نخبتها من أجلها فستصبح بالفعل جزءا من الماضي. يتجلى أمامي وأنا أحاول تصور نخبة تعز التي سنعلق عليها آمالنا الفنان التشكيلي هاشم علي الذي وهب حياته للمدينة نقل اتصاله بمدينته الهامشية وفقا للنظام المركزي الفاسد إلى تلاميذ أصبحوا اليوم محترفي حب لهذا المدينة وليسوا فقط محترفي لون. لقد كانت مبادرة مهمة تلك التي عمل عليها تلاميذ هاشم علي قبل أسابيع رسموا لوحاته على جدران المدينة، ولا غرابة إن استفزت اللوحات قبح البعض وجمال البعض، وأيا يكن الجهة التي تقف وراء التشويه ولأي سبب فقد أنجز اللون مهمته.. بدأ طريقه إلى المدينة وإلى المدن اليمنية جمعاء إنها الخطوة الأولى ليصبح اللون عهدتنا. هذا مثال على النخبة اليقظة وهو مثال يكاد يكون وحيدا، فماذا لو تحقق ما تمنيت، مثلا الفنان فؤاد الشرجبي صاحب بيت الموسيقى في مدينته تعز ومن هناك ينطلق إلى صنعاء التي تقع فيها مؤسسته، وإلى باقي المدن. أو على الأقل أن يكون في تعز فرع لبيت الموسيقى. أحسن فكري قاسم حيث لم يذهب إلى صنعاء ليصدر صحيفته «حديث المدينة» المتوقفة بل أصدرها في تعز. واليوم، أين حاضر تعز من ماضيها؟ فلم يعد التعزيون يغنون «تعز» في أغانيهم، لم يرسموها بألوانهم، لم يكتبوها في مقالاتهم ، لم يقصوها في رواياتهم، لم يحتفوا بها في مناسباتهم، لم يحكوها في مسرحياتهم، لم يوثقوا روحها بأدواتهم. لم يقفوا إلى جانبها.. يبتعدون يتركونها تموت ببطء ويتباكون! ما يحدث ليس مشكلة النظام السياسي فقط إنها مشكلة المجتمع الذي لا يستطيع أن يخلق لنفسه محاذير لا يمكن الاقتراب منها لتحيا هويته الخاصة ضمن الهوية العامة. الأمن في تعز يبدو أن مسئولي تعز يغطون في نوم عميق بعد إقالة السعيدي، حيث تبدلت أولوياتهم، فملاحقة الباعة المتجولين أهم بكثير من ضبط حفظ أمن المحافظة وسكانها وإخضاع الجماعات المسلحة لسلطة الدولة، لذا لا نستغرب إن خالف السكان هناك لوحة إعلانية غبية كتب عليها «سلاحي ثقافتي» وحملت أكتافهم كلاشنكوف. أمن محافظة تعز بذمة من خرج يتظاهر يطالب بإقالة السعيدي دون وعي وبذمة من صمت عند مجيء المقدشي ومرور ثلاثة أشهر، يبدو أن أكبر إنجازات المقدشي أنه أمّن المسؤولين فخاف الشعب.