لم تمر ساعات معدودة على قرار تعيين شوقي أحمد هائل محافظاً لتعز إلا وقد امتلأت صفحات الجرائد بالتهاني والتبريكات لاختيار شخصية تحظى بالقبول عند الجميع، وهو ما لم ينله أي مسؤول تم تعيينه الفترة الأخيرة. بالنسبة لي كان وقع التعيين مختلفاً، فتولي رجال الأعمال للسلطة يبعث المخاوف من إمكانية استخدام سلطاته لصالح تجارته، لكن قرار منحه تفرغاً كاملاً من قبل مجموعته التجارية يجعلنا نحترم هذا القرار ويبدد مخاوفنا. كما أني لا أتفق مع الذين تسارعوا وتكاثروا في تقديم التهاني عبر صفحات الجرائد؛ حيث كتب بعضهم ما معناه «بشراك يا تعز»، فإلى جانب تعليق صديقي «التعزي» على ذلك بقوله: «الناس هي من تدفع المسؤول أحياناً إلى التراخي بالمدح والإطراء»، فأعتقد أن الموقف الصحيح في التعامل مع منصب محافظ لأكبر محافظة في اليمن وأكثرها تدهوراً على مستويات عدة هو تقديم المواساة، فالمحافظ الجديد شوقي في مهمة صعبة. تبدأ مهمة شوقي من النخبة؛ فمشكلة تعز الحقيقية مع نخبتها من سياسيين واقتصاديين ومثقفين.. إلخ؛ فهذه المدينة التي تصدِّر المدَنية إلى كل أنحاء الجمهورية، لها نخب على استعداد للتخلي عنها وبالتالي عن أنفسهم. لا يحملون مشروع المدينة اللائق بخصوصيتها، فما يفعلونه لا يتعدى الحديث عن تميز المدينة إلى الفعل والتأثير، وحديثهم عن «الحالمة» لا يؤيده الواقع بالضرورة، وكأنه مجرد محاولة للهروب من مواجهة الحقيقة. لن أدعو هنا لإقليم في تعز كما يفعل البعض، بل لتوجيه طاقات المدينة للمدينة، وتمثل حالة الفنان التشكيلي هاشم علي الوضع الذي في اعتقادي يجب أن تكون عليه النخبة، فقد وهب الرجل حياته لتعز بالقدر المتساوي مع فنه. يأتي أيضاً تولي شوقي مسؤولية المحافظة بعد قيام ثورة كانت تعز هي قلبها، ولتعز أسباب كثيرة للثورة على النظام السابق، وهي بعد ما قدمته من تضحيات تشعر أنها بحاجة إلى من يقف إلى جانبها وتشعر كما يشعر اليمن بكامله أنها جديرة بحياة متقدمة على كل المستويات. وإذا ما رتبت المستويات هنا سأبدأ بمستوى الخدمات في المدينة؛ فعلى سبيل المثال البنية التحتية للجانب الصحي في المدينة، فالمعروف أن مستشفيات العاصمة صنعاء لا تثق بتقارير مستشفيات تعز، كما أنه من المهم حل مشكلة شحة المياه فيها، إضافة إلى أن التعليم ومنه الجامعي في تراجع مقارنة بالعقود الماضية. وفي كل ما سبق ستجد الريف الأكثر حاجة للاهتمام والتطوير وفي كل المجالات. في المستوى الثاني يأتي الثقافي والفكري؛ فتعز لا تقدر على الخروج من روحها الحقيقية هذه، وهي بحاجة إلى إعادة اكتشاف روحها والتعريف بتاريخها واستعادة دورها كمدينة للعلم والفن والتراث والتاريخ والانفتاح ! من أعلى جبل صبر يظللك منظر الحالمة كقاع ضيق وصغير، فيما عيناك لا تقدر على إدراك الأطراف، لقد عُززت هذه النظرة عند الجميع حتى دون أن يشعروا. وجاءت الثورة لتؤكد خطأها، فتعز هي اليمن. كيف سينجز شوقي مهمته «الشاقة» في زمن ما بعد الثورة وخلال فترة انتقالية..؟ ربما تكون خبرته السابقة في الإدارة الناجحة هي الملهمة للوصول إلى إنجاز شخصي وعام تحفه المخاطر من جميع الاتجاهات.