عديد من هذا الجيل أسسوا تجارة لهم في كينيا: الدالي, شاهر حسن, في الحبشة والصومال وجيبوتي وعدن, وهؤلاء جزء من كل واسعٍ انخرط في كافة المهن المتوفرة في البر والبحر في الداخل والمهجر. خارطة المتاجر والمطاعم والمخابز والموانئ والحمالة والطواحين والفنادق والمنازل والزرائب وخدمات السيارات والسباكة والكهرباء والوظائف المدنية والعسكرية وقيادات السيارات والدلالة ازدحمت بالشغيلة التعزيين وهذا الجيل هو الذي شيد المدارس الأهلية في المهجر وفي عدن وفي ريف تعز ومدن تعز الثانوية. وشكل التعزيون الضلع الرئيس للاقتصاد لتعز الكبرى, حيث إن الجيل الأول اعتمد على جهده الاجتماعي ولم يرث أياً من هؤلاء التجار فلساً واحداً من آبائهم, وبعض هؤلاء قطع المسافة بين قراهم وعدن سيراً على الأقدام حفاةً نصف عراة كما أخبرني بذلك السيد عبدالكريم الدبيحي الذي عمل في مجال “الجمالة” أو مايعرف بمهنة “الطَبَل” وهو الواسطة بين الشغيلة وأسرهم في القرى. وأبدع التعزيون في مجال الفنون بأنواعها وأشكالها المختلفة, فهاشم علي دويلة الحضرمي أبدع لوحاته في مدينة تعز ومات في مدينة تعز التي عشقها, وأحمد بن أحمد قاسم الموسيقي والفنان الكبير الذي أعلن في يوم من الأيام بأن زوجته هي فلانة بنت فلان الحمادي, وهو الذي غنى أغنية “من العدين يالله بريح جلاب..” من كلمات الشاعر سعيد الشيباني, وعازف العود الرائع جميل غانم العريقي والفنان التشكيلي عبدالجبار نعمان والفنان عبدالباسط العبسي وفنانو التراث الشعبي عبدالباسط العبسي ومنى علي ونبات أحمد والفنان الذي لم تنطفئ شعلته أيوب طارش العبسي ومجموعة كبيرة من الموسيقيين والراقصين الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين. وبحق فإن تعز الصغرى وتعز الكبرى “اليمن” لم تكف عن العطاء والتجديد في كل مراحل حياة هذه المنطقة فهي ولاّدة السياسيين الفاعلين تقليديين وحداثيين, انطلاقاً من نجم الشجاعة والإقدام الأمير علي محمد الشرجبي الذي عاش في القرن السابع عشر مروراً بأحمد محمد نعمان وحميد الدين المقطري وسلطان أحمد عمر وأحمد عبده سعيد وعبدالله الخامري ومحمد علي عثمان وعبدالقادر سعيد وعبدالرحمن محمد سعيد وعبدالرحمن غالب وعبده محمد المخلافي وعلي قاسم سيف وقاسم بجاش وعلي محمد سعيد وحسن الجراش وعبدالله محمد ثابت وعلي سيف مقبل وأحمد الأصبحي, ومازال المعمل التعزي يضخ سياسيين بصرف النظر عما طرأ على القيم الثقافية من تطورات سلبية بسبب هيمنة الطغمة العسقبلية في صنعاء التي أرغمت العديد من الناس على العمل بشروطها وقيمها, وأثق أن نخب تعز سوف تصحو في القريب العاجل وتعود إلى مسار الكرامة والإبداع والاستقلال لإزاحة ماعلق بها من سمعة سيئة ولتعز وسكانها وتتجاوز ما تجرعته خلال نصف قرن بجرعة كبيرة. وعرفت تعز الصغرى والكبرى النشاط الرياضي ولعب عديد من شبابها في الأندية التي تكونت في عدن والحوطة وتعزوالحديدة وهناك أسماء لمعت في شتى أنواع الألعاب المعروفة وقد لاتكون في المستوى المأمول ولكنها قدمت عروضاً وكونت أندية منذ الأربعينيات من القرن الماضي وهي معروفة وتحتاج إلى دراسات خاصة بها. وتعز تفتخر أن كوكبة من النشطاء النقابيين كانوا من سكانها سواء في عدن أو في تعز أو الحديدة وفي هذا المجال سجل حافل بالنضال النقابي الذي اندمج بعدئذ في أتون النضال السياسي وكان لهؤلاء الناشطين أهمية استراتيجية في تشكل الحركة السياسية وطليعتها السياسية الأحزاب والتنظيمات السياسية التي برز منها عبدالغني علي أحمد وسعيد أحمد الجناحي وأحمد حيدر وسلطان أمين القرشي وسلطان أحمد زيد وأحمد الحربي وحسن شكري ومحمد حميد فارع وعبدالغني عبدالقادر, وقادة لاتتسع هذه المساحة لتقديمهم الآن. وتعز إلى ماقبل 1990م أبدعت في تكوين الحساسيات الثقافية, فرق المسرح, فرق الرقص, فرق الغناء وفرق الموسيقى والتي شكلت نهضة ثقافية متواصلة لتجعل من هذه المنطقة مركز إشعاع ثقافي مرموق مازال الناس يمارسون بعضه بحذر بسبب سلطة ثقافة التحريم وحاملها الثقافة الوهابية المتوحشة التي اكتسحت المنطقة نهاية السبعينيات بدعم قوي من الطغمة العسقبلية الطائفية. وإذا توقفنا عند أهم محور في نهضة هذه المنطقة فإن حرية المرأة وتعليمها وإشراكها في الوظيفة من الأمور البارزة ونسبة المرأة المتعلمة التي انخرطت في التعليم منذ الستينيات من القرن الماضي كماً ونوعاً يزيد عن 60% تقريباً وهي نسبة شكلت ميزة إضافية لمسار الثقافة المدنية المحمولة على علاقات شبه رأسمالية نامية. ويمكن للمرء أي كانت هويته الوقوف على حرية المرأة في منطقة تعز عبر آلية سهلة وهي الوجود الفعلي للمرأة في المرافق الإنتاجية والخدمية الخاصة والعامة, ويتذكر الذين مروا من تعز قيمة الحرية عند نساء صبر اللاتي كن يزين الأسواق بحضورهن الجميل ومشاقرهن الفواحة برائحة الريحان.