بنكهة البارود وبطعم الرصاص, برائحة القنابل وعويل المسدسات, بالبندقية والعقول الغلف وكل ما في الموت من زمجرات, صارت المدنية في تعز بلون الدم، وشكل الخوف، وملامح الترقب لمجهول أسوأ, تحول الحلم في تعز إلى كوابيس واقعية ترسم لنا للبؤس مسارات شتى، وتحولت الحالمة من مدينة كان سلاحها قلماً وسطراً وكلمة إلى مقبرة، جنودها رصاص وجهل وعصبية وأعيرة وعبرة.. وارتدت على أعقابها للوراء قروناً غابرة.. يا ترى أين تلاشى مثقفوها وحاملو شعلة التنوير فيها، أين اختفى من يرجون لها الخير والبناء والنماء والسلام، لماذا تعملقت فيها أزمنة الغاب وشريعة القوي يأكل الضعيف، وصارت تغتال فينا كل بارقة ضوء ونجاة، ما الذي صار في تعز يا ترى..؟! هذا ما نريد أن نعرفه في ثنايا هذه الأسطر النازفة أنيناً وحبراً ومعها دمع قلوبنا الواجفة علي مدينتنا, الحبيبة تعز, دعونا نعرف أنين السطور سوياً، لعلنا بنبض يسكننا وخفقات تعترينا بحب هذه المدينة نراجع أنفسنا ولو قليلاً وننقذها من السقوط ومن الهلاك، من يدري لعلنا.. كانت تظهر باستحياء في البدء كان لنا لقاء مع محمود عبد الله – مدرس، حيث قال: نعم تعز أصبحت تغوص في مستنقع السلاح والبلطجة وغياب الضمائر وكل واحد فيها يعتقد أن التمرد يعني الحرية يعني أنه اصبح قوياً ويعبر عن رأيه, كيف نعبر عن أنفسنا بالقوة والعصبية وعدم احترام بعضنا البعض, زمان كانت الأحزاب والمذاهب والطائفية غير موجودة في تعز وإن كانت موجودة كانت تظهر باستحياء؛ أما الآن فعلى عينك يا تاجر واغلب الشباب انجروا بعد ذلك وأصبح شعارهم لو أنت مش معي أنت عدوي؛ بجانب المصالح الحزبية التي تشكل اليوم السبب الأول بالأخذ والرد والتجاذبات، وكل واحد يمزق تعز من جهته. تعز اليوم تتعرض لهجمة تخلف سياسي تريد لها السقوط في وحل الصراعات والانتهاكات الإنسانية، ولابد من كل أبناء تعز الشرفاء أن يوقفوا كل تخريب يريد لتعز أن تكون بؤرة فتن وقتل ورجوع للماضي، ولا حل لنا لإنقاذ تعز إلا أن تفرض الدولة قوتها وسيطرتها، وتوقف هؤلاء عند حدهم ليكونوا عبرة لمن يريد العبث بتعز، أما غير ذلك فنتوقع المزيد من الهمجية.. أفكار شيطانية سميرة سعيد موظفة، قالت: بصراحة تعز من بعد الأزمة التي مرت على البلاد ويمكن في كل المدن اليمنية اصبحنا نلمس أن القيم و المبادئ والأخلاق ضاعت، واصبح الضمير مفقوداً، وظن الناس أن التغيير لا يكون إلا بالتمرد على كل الأخلاق، وتزايد عدد العصابات في تعز والمشكلة أنها لا تخاف احداً وتعبث بالأمن في عز النهار وبالقوة، والكل لا يجرؤ حتى أن يقول لها لا, والسبب الثاني حالة التساهل من الجهات الأمنية لضبط هذه العصابات وكأنها فوق الدولة وفوق القانون، والسبب الثالث المصالح الحزبية والمذهبية والطائفية وكل طرف يجيش لصفه أناساً ضد الطرف الآخر، واستقطاب الشباب، وغرس أفكار سامة في عقولهم، وجعلهم عدواً لوطنهم، وانتزعوا منهم الولاء وزرعوا فيهم أفكاراً شيطانية تخدم مصالحهم وتنشر الفتنه بين اليمنيين، كما لم يعد هناك معاقبة للمجرمين كي يكونوا عبرة للآخرين, مثلاً كانوا زمان يعدموا القاتل أمام الناس جميعاً حتى يتعظوا، أما اليوم صار العقاب لهم مشكوكاً فيه؛ ولهذا تجرأ الكثير على الإجرام لثقتهم بنجاتهم من العقاب، وهنا الكارثة الكبيرة؛ ربنا يحمي تعز وكل اليمن من كل الفتن. مستنقع الصراعات الأخ جلال عبدالله، يقول: الوضع في تعز بالفعل أصبح فوضى وعبثاً وهمجية، وترك الحبل على الغارب للمجرمين يسرحون ويمرحون كيفما يشاؤون دون أي رادع، هذا أكبر بلاء على تعز، حتى مثقف تعز وبدلاً من نشر الثقافة ووضع الحلول لإخراج تعز مما هي عليه، أصبحوا بيد الجهلة والمتخلفين؛ وينفذون كل ما يريدونه لجر تعز لمستنقع الصراعات المتواصلة، كيف بالله عليكم يكون الوضع عندما يكون المثقف لعبة في يد شيخ قبيلي جاهل متعصب لا يعرف إلا حمل البندق ولغة القتل، تعز في وضع لا تحسد عليه، فالسلاح في تعز منتشر في كل مكان، والتهريب أيضاً، وإدخال شحنات أسلحة بلا حد, والخطر أصبح يحيط بنا من كل جهة، ولا نأمن على أرواحنا حتى لحظة في هذا الوضع الخطير. مسؤولية الجميع أمين حمود عسكري أمن، قال: أنا سأتحدث عن مشكلة عامة في كل اليمن وأيضاً في تعز وهي أن الناس يلومون فقط رجل الأمن في كل ما يحدث من اختراق للقانون وعدم الالتزام به، وعن كل ما يقوم به المجرمون للإخلال بأمن البلاد، في حين أن الناس أيضاً مسئولون عن اختلال الأمن بعدم احترامهم للقانون وتطبيقه والالتزام به، وأيضاً السلاح وتواجده مع الصغير والكبير، والعبث به في الأعراس والمناسبات وغيرها، وأضاف: المواطنون أنفسهم يرفضون التعاون مع الدولة ومع رجل الأمن للحد من هذه الاختلالات، والقبض على كل من يتسبب في الفوضى والجريمة، ولو تعاون الجميع والله إننا سنعمل الكثير وسنطهر بلادنا ومدينتنا تعز من كل من يعبث بها ويخربها. أهداف سياسية أمين الخرساني صحفي، قال: المرحلة التي نعيشها هي مرحلة انتقالية، وهناك مصالح للقوى المسيطرة في إشاعة الجهل والأمية في تعز، وإشاعة ثقافة القبيلة بما فيها الأعراف الجاهلية بهدف إبقاء مصالحها في محافظة تعز، ومن هذه المصالح إبقاء ميناء المخا كميناء للتهريب، وكثير من ثغور المحافظة، لأن تجارة التهريب بما فيها تهريب المخدرات والممنوعات كانت تدر عليها سنوياً مئات الملايين من الدولارات، كما أن هناك أهدافاً سياسية لهذه القوى وهو إبقاء تعز بصورة مشوهة أمام الرأي العام اليمني والعربي والدولي، خاصة وأن تعز لعبت أدواراً كبيرة وتاريخية سواء فيما يتعلق بالثورات اليمنية منذ الأربعينيات أو بالوحدة اليمنية، كما أن أبناءها ضحوا بدمائهم في كل جبال اليمن دفاعاً عن السيادة اليمنية، هذا فضلاً عن أن القوى المتنفذة داخل المحافظة كثيرة وعلى رأسها المهربون وتجار المخدرات والممنوعات والمشايخ الذين يرون بأن مصالحهم لا يمكن أن تستمر إلا باستمرار الفوضى والتخلف. ثقافة وافدة د. عبدالعليم باعباد اكاديمي، يقول: هناك أسباب جعلت تعز تتحول من عاصمة للثقافة إلى عاصمة للسلاح وهي أسباب سياسية في المقام الأول، أنتجت الأسباب الأخرى الأمنية والاجتماعية، أقول لا بد من التفريق بين تعز الإنسان، وتعز المكان، فتعز المكان رقعة جغرافية مفتوحة غير أن بروزها الثقافي وتقدمها العلمي بالنسبة لمدن اليمن الأخرى جعلها أكثر انفتاحاً وانسجاماً في تقبل الوافد الاجتماعي إليها، وهذا يحسب لها لا عليها، ففي ظل ظروف سياسية وأمنية طبيعية تلقي تعز الإنسان بظلالها الثقافي وسلوكها الحضاري على الوافد الاجتماعي وثقافته بانساقها الأولى والمبتدأة فتطغى الثقافة المتطورة وتعدل من قساوة الثقافة الوافدة أو تتعادل معها أو تطورها، أو على الأقل تحتفظ الثقافة المتطورة بتميزها وتسيدها بدرجة تجعل تصرفات الإنسان الوافد إليها متسقة مع المكان، وفي ظل هذه الظروف الطبيعية أيضاً تكون ثقافة تعز الإنسان، وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أن تعز مازالت عاصمة للثقافة منظور إليها كإنسان وكبيئة في الظروف الطبيعية، ولكن الأمر يختلف في ظل الظروف السياسية والأمنية غير الطبيعية، إذ أن ما يحسب لها من انفتاح ثقافي واجتماعي آيل إلى المدنية، يكون وبالاً عليها، وفي هذه الحالة تكون مرتعاً خصباً لإغراقها في ظواهر وسلوكيات وأخلاقيات اجتماعية سيئة، تكون تعز قد تجاوزتها، فتعيد هذه الأوضاع ما بقي من ظواهر في طريقها إلى الانكماش إلى حيز المغالبة والتأثير متفاعلة مع الوافد إليها، فتبدو تعز وكأنها قد تحولت من المدنية إلى العسكرة، ومن السلم إلى الاحتراب. - وأضاف: إن نظرة متزنة تجعلنا نفسر ما تتعرض لها تعز من أعمال فوضى إنما هو نتيجة طبيعية لحيوية ثقافتها الوطنية وصراعها مع الثقافة السياسية والاجتماعية النافذة، لا على مستوى تعز فحسب بل على مستوى الوطن بشكل عام، الأمر الذي جعل هذه القوى النافذة ترمي بثقلها الانتقامي على تعز، لكن تعز في كل الأحوال عصية على الانهزام، لأنها ثقافة وطن، وستبقى تعز عاصمة للثقافة والمدنية والسلام..