أيام قلائل يدخل بعدها الصحفي عبدالإله حيدر شائع عامه الرابع في زنزانته الانفرادية بسجن الأمن السياسي بموجب أوامر مباشرة من أوباما أمريكا! سجن الأمن السياسي يديره ضابط المخابرات العميد محمد النميلي، وهو بالمناسبة سجن خارج الدستور والقانون! ولا يتمتع بأي صفة قضائية، مثله مثل السجون الخاصة التي يمتلكها بعض المشايخ والقيادات النافذة في اليمن.
يتعرض الذين يزورون أقرباءهم المعتقلين في السجن مرة واحدة في الأسبوع لسلسلة طويلة من الإجراءات التعسفية تمتهن كرامة المواطن وتحاول إذلاله، حيث تقابلك نقطة التفتيش الأمنية الأولى على الشارع العام وتجبرك على الانتظار بجوارها أوقاتا طويلة مديدة حتى يتكرم صاحب السمو معالي ضابط المخابرات بمنحك الإذن بالزيارة! بعد ذلك يقوم جنود هذه النقطة بتفتيش كل ما تريد إدخاله لقريبك المعتقل تفتيشا دقيقا، وبعد العبث والفوضى بكل تلك الأشياء يتم في الغالب منع إدخال نصف ما تحمله بحجة التعليمات والمزاج الخاص! ثم يمارسون عليك دور الإذلال وامتهان الكرامة لتذهب تتسول وتبحث عن فلان وعن علان حتى يأذن لك بإدخال بعض ما تم منعه من المأكولات والملبوسات المسموحة في كل ديانات وقوانين الأرض والسماء. ولكي يظهروا لك أنهم قد منحوك إكرامية وهبة ربانية! ثم بعد ذلك يقومون بتفتيشك من رأسك الى أخمص قدميك! وإياك ان تنسى في جيبك مفتاح سيارتك أو حتى قلمك! فهي مواد خطرة قابلة للاشتعال في نظر السجان البليد!
بعد تلك النقطة تنتقل بما سمح لك من مأكولات نحو نقطة التفتيش الثانية التي تقع عند بوابة المبنى وهذه النقطة ينطبق عليها المثل اليمني القائل «الفأر باب مدحلة أسد!» فتجد أشكالا غريبة من البشر المتخلفة في عقولها ومظهرها! يستأسدون عليك لأنهم بجوار مبناهم ولأنك واقع بين نقطتين! وهناك تواجه تفتيشا وتدقيقا آخر وعبثا جديدا بما تحمله من وجبة غداء وأحيانا ملابس، وقد يواجهك بعض الجنود باستفزازات كثيرة الغرض منها الإيذاء النفسي واللفظي وربما الجسدي! وهنا يمارس انتهاك جديد لكرامة المواطن اليمني من قبل حثالة من البشر تعودت الإجرام والقمع وانتهاك الحريات والحقوق لعشرات السنين ولم تجد من يردعها. وفي هذه النقطة أيضا يتم منع جزء آخر من تلك المأكولات والملبوسات إن وجدت، ثم تبدأ رحلة الذل والهوان والتسول والبحث عن فلان وعلان! حتى يسمح لك بإدخال بعض مما تم منعه عنك، وليظهروا عليك أيضا بمظهر المنعم المتفضل بمنحك قسطا ضئيلا من حقوقك الدستورية والقانونية، وهم يعملون كل ذلك خارج الدستور والقانون.
بعد ذلك يقومون بتفتيشك من رأسك الى أخمص قدميك ولربما أنك محظوظ أن فتشك شخص آخر غير الذي فتش الأطعمة حتى لا يصيب ثيابك شيئا مما علق بيديه من مخلفات! ولربما أن أحدهم يفتشك بجهاز ماسح وهو مستلقٍ على الأرض أو الكرسي ويقول لك لف يمين لف شمال ارجع للخلف تقدم للأمام! وكأنك دابة صماء ليس لك ذرة من كرامة أو آدمية، في انتهاك آخر للكرامة اليمنية والأنسانية والدوس على القيم والأخلاق.
بعد ذلك تنتقل الى غرفة كبيرة نسبياً مكتومة تنبعث منها الروائح العفنة الكريهة على جدرانها كثير من الأوساخ والقاذورات ومحشوة بصناديق حديدية وخشبية كبيرة عبارة عن دواليب متنقلة لأمتعة وأغراض العسكر! يتم في هذه الغرفة حشر الزوار من الرجال والنساء والأطفال! في ممر ضيق بين صناديق العسكر من جهة والشباك الحديدية من جهة أخرى!
وتخضع من جديد لعملية تفتيش وتمحيص ثالثة لما تحمله من وجبة غداء لسجينك الذي ينتظرك في الطرف الآخر، ومن جديد يتم منع بعضا مما تبقى لك لتدخله لقريبك والذي يفصل بينك وبينه حاجز من الشباك ومسافة مترين تقريبا ثم حاجز آخر من الشباك الحديدية، فيبقى بينك وبين قريبك المعتقل حاجزين متباعدين بينهما تلك المسافة، ولك أن تتخيل وجود عشرين زائرا من الرجال والنساء والأطفال يتحدث كل واحد منهم الى قريبة عبر تلك المسافة ومن خلال الصراخ والصوت العالي حتى يسمع كل طرف الآخر نظرا لبعد المسافة! لك أن تتخيل الجو العام لتلك المأساة الأسبوعية المسماة زيارة لقريبك المعتقل!
وقد يأتي بعض الجنود ليستعجلوك إنهاء الزيارة بعد دقائق، ثم يبدؤون في الصراخ فيما بينهم، وقد يقوم آخرون برفع الصناديق الحديدية ورميها على بعضها وبما تحدثه من ضجيج وازعاج كل ذلك بهدف زيادة التشويش وممارسة الضغط عليك لإنهاء الزيارة!
وهنا وبعد كل تلك الرحلة المضنية والشاقة التي أريقت فيها كرامة وإنسانية المواطن اليمني، تكون محظوظا أيضا إذا استطعت الخروج من هذه المسماة «زيارة»! بفهم ربع أو نصف الكلام الذي دار بينك وبين قريبك المعتقل!
نحن هنا نقلنا جزءا يسيرا من الصورة والمعاناة الأسبوعية المتكررة! لكنها بالتأكيد على الواقع أشد وأقسى! وكل مواطن تكتب له الأقدار أن يزور سجن الأمن السياسي سيخرج بلا شك وقلبه مليء بالغيظ والكراهية لسوء المعاملة ولما يلاقيه من صنوف العناء وامتهان الكرامة.
السجون القانونية في الجمهورية اليمنية وطبقا للدستور والقانون لها مهمة إنسانية فهي جهات إصلاحية للتهذيب والترشيد، لكن سجن الأمن السياسي علاوة على أنه سجن غير دستوري ولا قانوني، فهو وكر شيطاني لتخريج الناقمين ومدرسة لتمزيق الوطن والمواطن، وإذا ما صدقت مقولة إن المخابرات الأمريكية هي من تشرف عليه فقد أضيفت اليه ثالثة الأثافي! ولربما أنه فرع أصيل لغوانتانامو أمريكا في اليمن، ومن مؤشرات ذلك سوء المعاملة للمسجون في الداخل وأهله الزوار في الخارج وامتهان كرامة المواطن اليمني والدوس على كل القيم والأخلاق كما هي عادة سجون أمريكا حول العالم!
ولا يمنع أن أشير هنا ومن باب الإنصاف أن هناك قلة قليلة جدا ممن يفرضون عليك احترامهم وهم يؤدون وظيفتهم بمهنية ويبثون في وجهك الابتسامة والاطمئنان!
وللعلم فأغلب أولئك السجانين الذين ستلاقيهم في الداخل أو على نقاط وبوابات السجن هم من الأميين الجهلة على الأغلب وأصحاب عقول متحجرة لم تتربّ ولم تعرف يوما كرامة لوطن أو مواطن، بل يتم تربيتها على عقلية ما قبل ثورة التغيير أن المواطن متهم حتى تثبت براءته، ولذلك لا تزال تتعامل بالعقلية العفاشية القديمة التي تجاوزها الشعب بثورته العظيمة.
الشعب اليمني قام بثورة تغييرية خلع فيها رأس الظلم والإجرام، فلماذا يبقى الظلم والإجرام في سجن الأمن السياسي.
أين أحرار اليمن وثوار اليمن مما يحصل في سجن الأمن السياسي من استباحة للكرامة الإنسانية والدوس على كل القيم والأخلاق!
أين المحامون والنقابيون والمثقفون وكل الشرفاء مما يجري في سجن الأمن السياسي من استعباد وعبودية وظلم وظلمات بعد أكثر من 50 عاما على ما يقولون إنها ثورة 26 سبتمبر التي حررت الإنسان اليمني وخلعت عنه الذل والهوان!
الصحفي الحر عبدالإله حيدر ومنذ ثلاث سنوات يتعرض لكل ذلك في زنزانته الانفرادية وبين مخالب تلك الوحوش البشرية الضالة التي تربت على الجريمة والإجرام وانتهاك الحقوق والحريات!
ولأنه وديعة أوباما في سجن الأمن السياسي كما يقولون، فبأي تعليمات يأتمر أولئك في إيذاء الصحفي عبدالإله وأقربائه!
فمتى سيتم تنظيف سجن الأمن السياسي من كل أولئك الذين يتلذذون بإيذاء وامتهان كرامة اليمنيين، بل متى يتم تطبيق الدستور والقانون بإزالة ذلك الوكر سيء الذكر!
ومتى سيتم تنظيف اليمن بأكمله من عملاء أمريكا وأحذيتها الحقيرة الذين باعوا أنفسهم للشيطان وخسروا الدنيا والآخرة بفتات من المال المدنس الحرام!
بل متى سيعلن رسميا وشعبيا أن الجمهورية اليمنية بلد حر مستقل ذو سيادة واستقلالية!