منذ أسبوع تقريبا قصدت وزارة الشباب والرياضة لأبيعها نسخاً من ديواني الصادر مؤخراً "كتف مائلة" رغم استصعابي لمسألة أن تذهب لتبيع كتبك في وزارات سمعتها تفوح بالروتين وبأشياء أخرى، لكن من باب هذه حقوقنا وقناعة لا شيء يعيدنا إلى الوراء سوى الحياء؛ قررت أن أجرب بنفسي فحكومتنا الرشيدة لا تهتم بالكتاب: بنشره وتوزيعه لكنها على الأقل تشجع الكتَّاب لوجه الإبداع لا لشيء آخر وليس علي أن أصدق الإشاعات. وقفت أمام المسئول الجديد في غاية الإحراج وقدمت له الديوان فنفض أوراقه بسرعة وقرأ الورقة المرفقة به المذيلة ب "كما هو متبع لدى وزارتنا". فيما موظف آخر إلى جواره يقول لقد أوقف الوزير شراء أي كتاب. ويقول المسئول بفتور نريد أن نعرف هل سيرسخ كتابك الولاء الوطني أم لا.. سيتم عرضه على اللجنة، وعزز الموظف بجواره ثقتي بعدم جدوى تجريب المجرب حيث ذكر لي إنهم ارتكبوا خطأ فادحاً ذات مرة حين اشتروا كتبا لأحد الشعراء يذكر فيه الخبز بطريقة تفوح بالمعارضة(على اعتبار أن المعارضة جريمة وأصحابها من دولة شقيقة). كان كتابي عبارة عن مجموعة شعرية أعتقد أنا الفقير إلى الله حاولت أن أقدم فيها جديداً. وبهذه الطريقة نسي المسئول أن يسأل نفسه كيف سيصبح ولائي الوطني بعد هذا اللقاء وهو يتعامل مع الإبداع على مقاس معين في رأسه وتقوم لجنة آخر مرة قرأت الشعر في المرحلة الإعدادية بتقييمه.
بمناسبة الولاء الوطني الذي أصبح موضة هذه الأيام حيث أصبح جل من في الحكومة( بقصد حكومي أو غير حكومي) ينظِِّرون له ويتحدثون عن أهميته ! فقد استشعروا فجأة خطر اهتزاز الولاء الوطني لدى الشباب مما جعلهم يقررون تثبيته بابتكارات ووصفات سحرية. فعلى طريقة وزارة الشباب والرياضة أشار أحد كتاب صحيفة الجمهورية أن الوزارة قامت بطباعة كراسات وزعت في المراكز الصيفية الشبابية التي رعتها الوزارة الصيف الماضي هدفها ترسيخ الولاء الوطني بينما أهداف الثورة التي طبعت عليها ينقصها هدف، وهي وصفة تثير تساؤلاً عن قدرتها في رفع نسبة الولاء الوطني في الدم أو في الجيب. بطريقة ثانية، مؤخراً تم إشهار الهيئة الوطنية للتوعية "غير الحكومية"، التي لمسنا أثرها بما نشرته من لوحات ملونة في الشوارع كتب عليها ما يفيد: الوحدة عزنا الولاء للوطن الوحدة نجاة الوحدة أو الموت الإرهاب لا دين له، الوطن في قلوبنا، لا للكهنوت والرجعية نعم للجمهورية. وهكذا أصبح المواطن على قدر كبير من الوعي ويستشعر المسئولون الحكوميون العاملين في منظمة غير حكومية؛ بأنهم فعلوا ما عليهم والباقي على الله !
وصفة ثالثة ترعاها وزارة التربية والتعليم لزرع الولاء الوطني لدى النشء وهي فكرة لا يمكن التقليل من أهميتها، بل نتمنى أن تدار بطريقة مختلفة فصباحاً الساعة 7:30 نستيقظ على إذاعة مدرسية تبثها مباشرة إذاعة صنعاء من إحدى المدارس في المحافظات، وهي مليئة بالولاء الوطني تشعر معها أن الطلاب الصغار الذين يقدمون كلمة الإذاعة يرددون مفاهيم أكبر منهم: التمرد، التخريب، والرمز، والحاقدون، والمرجفون. وهي كلمات يكتبها لها مدرسيهم. تثير الحقد والكراهية لا أكثر. بينما يعود الطالب إلى الفصل بكتب ناقصة وقد لا يجد مدرسين وأرضية المدرسة متسخة والفصول مزدحمة. وهنا كيف يمكن زرع الولاء الوطني في هؤلاء النشء.. ونحن لا نعلمهم كيف يعبرون عن ذواتهم دون تدخل فج منا. كيف يمكن أزرع فيه الولاء الوطني وهو لا يجد ماء نظيفا في المدرسة ولا حمام ولا وسائل تعليمية. وهو لا يغني ولا يرسم. عليه أن يشعر أولا بأنه حقق في وطنه ذاته التي يشاء حيث يجدها في كل ما حوله وبدون تلقين. كيف يمكن للمواطن البسيط الذي لا يحب البيتزا ولا يفهم معنى موفمبيك ولا يعرف من مطعم الشيباني عدا اسمه، أن يترسخ ولاءه وهو يحيى وكل ما حوله يوحي أنه في مزبلة ابتداء من الشارع المليء بالأوساخ إلى المطعم المليء بالصراصير إلى وسائل المواصلات التي ليست سوى شبه مواصلات إلى أماكن الترفيه الشحيحة كالحدائق أو محلات الإنترنت وغيرها مع هذا يدفع مقابل تلك الخدمات المتسخة. أما المسئولون ومنهم وزارة الصحة فيرسلون موظفيهم لا للرقابة والتفتيش بل للعودة بحق القات. كيف يمكن للمواطن أن يؤمن بالوطن وهو يعرف أن أصحاب المخابز يسرقون من قوته بدون عقاب. كيف له أن يحب الوطن وهو يعرف أنه إذا ذهب إلى القضاء ستطلع روحه قبل أن يفصل في القضية وإذا ذهب إلى قسم الشرطة ستطلع عينه ويدفع حق بن هادي وينتهي الوضع بأن التنازل عن الحقوق أهون من الذهاب إلى الحكومة والاستغاثة بها.
كيف يمكن للمواطن أن يحب بلده وهو يذهب إلى المستشفيات الحكومية وهي بدون أجهزة ولا أدوات طبية والخاصة وهي تدار بطريقة تجارية تمص دمه، وقد يعود في الحالتين بعاهة أو حالة موت فلا يقف بجواره لا طبيب ولا دولة بل بالعكس لا يقف الأطباء إلا إلى جوار زملائهم أما المواطن المسكين فهو خطأ طبي وارد. كيف لولائه أن يثبت أمام عواصف السياسيين التي تهب كل وقت فبينما هو يموت بحمى الضنك ووزير الإعلام يقول: مزايدات سياسية. كيف للمواطن أن يحب وطنه وكل ما حوله يقول له هذا الوطن ليس لك. ما نحن بحاجة إليه وبشكل ملح هو هيئات توعية للحكومة لا للشعب. فياسادة لنرسخ الولاء الوطني علينا أن نوفر لقمة نظيفة لهذا المواطن وقضاء نزيهاً، وبلدا أنيقا آمناً. عندها سيترسخ الولاء الوطني دون إنشاء هيئات أو لجان للتوعية فلطالما كانت تلك اللجان والهيئات عاملاً لهدم وقلع الولاء الوطني لا لبنائه وغرسه وترسيخه وجميعنا يعرف كيف. من الديوان: شارع التحرير مواعيد أخرى نتنبأ بها كلما خاتلتنا قبل الليل بقليل أحاول أن أستسقي لما يتكدس باتجاهنا ؛ حتى لا تخوننا وصايا أمهاتنا اللامتناهية وأرتب الزوايا المثلومة كل نهار - المدينة لم تعد تجدي- يتكاثر الناس من رحمها ، والحكومة تتهجانا ، باللامبالاة ، وتحشر قيئها في أحلامنا.