تسليم أمير قطر السلطة لولده الشيخ تميم يشير إلى نموذج جديد يتقدم في المنطقة ويحاول أن يستبق الأحداث ويتفاعل معها وهذا يدل على حيوية النظام القطري. لقد كانت قطر سباقة في دعم الربيع العربي، وكان من تبعاته ضرورة تقديم صورة مختلفة عن دول الخليج التي رسمت في الذهنية العربية أن قرارها مرتبط بالإدارة الأمريكية وبالغرب عموماً، ومع أن لدينا نماذج مختلفة من دول الخليج التي تتفق جميعها في مسألة الارتباط بالغرب إلا أن قطر انفردت عن بقية دول الخليج واتخذت سياسة المبادرة واللعب في الهامش الذي لم تستطع الإمارات والسعودية اللعب به رغم أنه متاح.
كما أن تسليم السلطة بهذه السهولة سيفتح الباب على قطر من بقية الأسر الحاكمة التي سترى أن هذا التغيير سيكون وبالاً عليها، وسيثير الكثير من الأسئلة حول الأسر الحاكمة في بقية دول الخليج، ذلك أن هذا سيبعث الأمل لدى الجيل الجديد من الأسر الحاكمة وكذلك لدى الأسر التي ظلت خارج الحكم في الخليج بإمكانية تغير الأوضاع وتوسيع بوابة المشاركة في الحكم.
ومثلما كانت قطر سباقة في اتخاذ المواقف الجريئة التي لم تجرؤ عليها الأنظمة؛ فقد جاء هذا التغيير ليشير إلى ديناميكية وبراجماتية النظام القطري الذي يعتمد على مجموعة واسعة من النخب والعقول العربية التي استضافتها قطر ووفرت لها مناخاً مناسباً للعمل فيها وهذه إحدى أبرز الميزات في هذا النظام مقارنة ببقية الأنظمة الخليجية والعربية التي لا تعتمد على أهل الخبرة والتخصص والتجارب.
وللعلم فإن الشيخ تميم أصبح حاكماً منذ فترة طويلة وخصوصاً بعدما أصبح ولياً للعهد في 2003 وكان واضحاً أنه أصبح ممسكاً بمعظم الملفات الداخلية والخارجية، ولا ننسى أيضاً أن التحاقه بكلية ساندهيرست العسكرية الملكية بالمملكة المتحدة ساهم في تكوين شخصيته بشكل مبكر، والعجيب أنه لم يصبح مثل بقية الرؤساء العسكر الذين جاءوا إلى الرئاسة بعقول عسكرية ويشهد على ذلك تحويل قطر من جيب ومحافظة سعودية إلى أخطبوط وصاحبة قوة ناعمة تجاوزت بمسافات ضوئية دول عريقة كالعراق ومصر والسعودية.
ويشير هذا التغيير إلى أنه بالإمكان صناعة الأحداث كما فعل أمير قطر ولم ينتظر حتى تهدأ الأوضاع رغم أن قطر تواجه تحدياً كبيراً في الملف السوري بعدما دخلت مرحلة كسر العظم مع دولة إيران وأذرعها في المنطقة.
وبإمكان قيادة الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الإصلاح أن يقدم نموذجاً ديمقراطياً يكون له صداه في الداخل ويخفف من الاحتقان الحاصل داخل هذا الحزب الكبير، لأننا ومنذ أن عرفنا أنفسنا نواجه برد على معظم الأسئلة بأننا نعيش فترة استثنائية وعصيبة ويبدو أن هذه الفترة لن تنتهي طالما ونحن نفكر بهذه العقلية.