في العدين كان الشباب يناضل كي يقنع الناس بأن هناك جمهورية قامت في عام 62، وأنها قد حررت الإنسان اليمني إلى الأبد، لم يكن يصدق أحد من أبناء هذه المنطقة التي تعيش حتى الآن عصور ماقبل الدولة. في الحقيقة كان حجم الذل والقهر وأثرهما في النفوس أعمق بكثير من حدث الثورة بكل تداعياته وكان النشيد الجمهوري يثير الكثير من السخرية.
العدين تعيش تحت سلطة الشيخ، هذه ليست فرية سخيفة، في انتخابات عام 2009 لم يجرؤ أحد على الترشح منافسا للشيخ جبران باشا في مديرية العدين بأكملها، المرشح الوحيد في الجمهورية الذي لم يجرؤ أحد على الوقوف أمامه حتى لتجميل المشهد الانتخابي، ربما فقط كان الشيخ محمد منصور هو من ينافسه في هذا التميز، حتى في عام 93، وفي ظل زخم الحزب الاشتراكي كان الشيخ هو من يختار منافسيه، منافسة الشيخ في العدين عمل يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والمغامرة.
هي ليست مملكة، هي أكثر مملكة، كهف يحتوي العديد من الجبال والرعايا.
في عام 95 كان أبناء منطقة بلاد المليكي قد قرروا الخروج عن هذه المملكة الحديدية، ضربهم الشيخ بالرشاشات والقنابل، وعند الاحتكام للرئيس - يومها - في 97، ذهب صالح ليسمع الدعوى في ديوان الشيخ!
لازلت أذكر حديث من حضر وهم يتحدثون عن دبات العسل التي سكبها الشيخ أمام ضيوفه المحكمين.
هذه لم تكن أول غصة يبتلعها أبناء العدين، ثمة جيل عاش في القهر والحرمان تحت جناح الشيخ وكانت الجمهورية في صنعاء على علاقة وثيقة بهذه المملكة.
كل شيء في العدين يمر من بوابة الشيخ، في الحقيقة لا يمر شيء من هذه الثقوب السوداء لأنها تلتهم كل شيء. في قرى العدين لا شيء، المدرسة تحت الشجرة، والمستشفى أكبر من أن تحتويه القرى.
هناك فقط صورة متضخمة للشيخ تلتهم حتى بيض الدجاج.
في 2011 قامت الثورة الثانية في صنعاء، كانت ثورة صنعاء تتحدث عن الديموقراطية وعن الحكم الرشيد، وكان أبناء العدين قد صدقوا حديث الثورة، ذهبوا مع الثورة بكل أعماقهم، كانوا يقرأون أشعار الزبيري، إنهم في ثورتهم الأولى.
في مدينة إب أنشأوا ساحة الحرية، أما في العدين فكانت ساحة المظلوم، كانت تطالب بقاتل أخفاه الشيخ ولم يعد حتى الآن، هذا الاختلاف الكبير في المسميات يمكن أن يقول لنا الكثير عن هذه البلدة الغائبة في كهف الشيخ المملوء بالثلج.
في العدين لا تَعُدو المواطنين، سيقدم لكم الشيخ كشف الرعايا، لا تفكروا بالدولة وطريقها، أبناء الشيخ يقومون بالمهمة.
لا منافذ لهؤلاء الرعايا غير منافذ الشيخ ولا جديد في الدنيا سوى ما يكون في ديوان الشيخ.
والبشر هناك يعتقدون أنه "لا شيء يثبت أننا أكثر من لا شيء".
الآن، على أبناء العدين في ساحة المظلوم أن يرفعوا خيامهم سريعاً، قبل أن يقرر الشيخ بمنصبه الجديد أن يستخدم خراطيم المياه ويدفع بهم في سجونه الخاصة.
وعلى أبناء محافظة إب أن يسموا خليج الحرية ساحة المظلوم، ذلك أكثر تعبيرا عن واقعهم الجديد تحت رعاية الشيخ الشاب، وبالقرار الجمهوري هذه المرة.
رئيس الجمهورية معذورا لا يعلم عن هذه الأشياء، ها قد علمت إذن!