لم يمر زمن صعب على اليمنيين في تاريخهم الحديث كمثل هذه الظروف المربكة والقاسية من استمرار حالة الفوضى والفلتان الشامل وتردى متواصل في الخدمات، والعوز والفاقة التي لازمتهم حينا من الدهر، وحالة الإحباط والقنوط مثلما هو عليه اليوم، فقد قُدر لليمنيين في هذه الحقبة من تاريخ اليمن السياسي الحديث أن يعيشون حالة من المسخ والمنزلة بين المنزلتين، وكيف يراد من جهة سياسية يفترض أن تكون عهداً بائداً أن تظل تتحكم في مصير الأمة ويتسأل آخرون كيف للمبادرة الخليجية أن لا تتوقع بأن يظل من منح حصانة أن يظل يشارك في الحكم ويعارض في الوقت نفسه!، فحالة تردي الأوضاع التي نعيشها اليوم تفسر في علم الجريمة (ابحث عن المستفيد)، وبداهة، فأن المستفيد في عبث اليوم وحالة الفساد هو من عبث في مقدرات الأمة لثلث قرن، وعليه لن تقوم لليمن قائمة حتى يتوارى من عبث بأحلامهم ولازالوا طلقاء بأموال الشعب يبثون السموم من خلال إعلامهم السخيف، والى متى تضل قنوات أحزاب سادت ثم بادت تستخف بعقول اليمنيين، يبدو ان هؤلاء لا يدركون معنى المعارضة والسلطة فهم يمارسونها في وقت واحد، ومن ضمن أخطاء وحدة مايو الارتجالية محاولة وإصرار من شاركوا فيها بغسل عقول العامة وعدم توعية شعبهم بجوهر الديمقراطية وما يجري وجرى ليس ديمقراطية بل ديماغوجية وضحك على العقول ليس إلا! يقف المواطن البسيط اليوم الغارق في فقره ومرضه وجهله فيما يطرح له اليوم من خيارات تناقش في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، فكيف يتقبل بما يدعونه التمديد للوضع الحالي المقرون بحالة من اليأس المطلق وترك الجلاد يعبث بحصانته ويعرقل الحوار ويهدد بتفتيت الوحدة الوطنية والتمديد أيضا يعنى للبعض مجرد تمديد الهم والغم وحالة اليأس والقنوط، ومثلما انتخب الرئيس التوافقي على النخب أن تتفق على شخصية وطنية مدنية أو من عدة متنافسين على أن لا يكون بينهم من الحرس القديم والعسكريون، واللافت بأن النخب الحاكمة لم تستغل الفترة الانتقالية لترتيب أمور البيت اليمني بحيث مرّ الزمن في جدل عقيم وهيكلة لم تتم وحصانة تسرح وتمرح في الأرض فسادا ومن هنا لا يعول الكثير من اليمنيون في فكرة التمديد بقدر ما يخشون من عودة بعض بقايا النظام القديم، وما ترشيح الرئيس التوافقي بهذا الزخم ليس حبا فيه بقدر ما هو كرها في الماضي الأليم، ومن هنا فالشعب لازال بالفعل بين نارين العودة لجلاده الذي نكل به حينا من الدهر وقد يعود بصيغة مختلفة، وبين طريق غير محدد المعالم، وكذا يقف مكتوف الأيدي بين ما يعرض له من أشكال ملونه مغرية من الفدراليات فقبل أكثر من ستة عقود كان اليمني البسيط يعتقد بأن الدستور رجل شرير يتآمر على الأمام والثورة ما هي إلا زوجته الأكثر شراً منه! فنتيجة للتجهيل فلا زال بعض اليمنيين لم يدركوا بعض من تلك المفاهيم حتى اليوم، ها هم اليوم يلهثون وراء سراب الفدرالية، والتي يجذب بريقها البعض في الانغماس فيها دون التعميق في مدى أهلية اليمنيين للتعامل مع الشكل الجديد لدولتهم، وعليه فان تباين الآراء حول شكل الفدرالية المتوقعة هو أمر طبيعي وظاهرة صحية فاختلاف الرؤى العام بالفعل رحمة وقد يفضى لتوافق عام، لقد كثر الجدل بين النخب المعنية بمآلات الحوار الوطني الشامل حول مفهوم الفدرالية وأشكالها والتبس على البعض تداخل المفاهيم في مثل تلك المصطلحات الجديدة على ثقافتهم ومن هنا يرى البعض ضرورة وجود هيئة تختص بالتوعية المزدوجة للرأي العام وللنخب ذاتها فبعض البلدان المهتمة أنشئت وزارة التوعية السياسية ويمكن أن يسمى بمركز التنمية السياسية يستوعب كل العناصر المهتمة من كافة ألوان الطيف السياسي المشاركة في الحوار إلى جانب بعض الأكاديميين والإعلاميين ويمكن الاستعانة برجال القانون والإدارة من غير اليمنيين إذا اقتضت الضرورة، وعند إعلان وحدة مايو الارتجالية كان من ضمن الأخطاء ولوج المجتمع اليمني لمرحلة ما أسموه بالديمقراطية والتعددية الحزبية فتم التعامل مع تلك القيم بما لا ينبغي، ذلك أن المواطنين في كلا الشطرين غير معتادين لأجواء الديمقراطية فغدت لدى البعض فوضى ومطية للهجوم على الآخر من دون أدني مسؤولية.
وكما وأدت الوحدة بيد صانعيها، وغدت وحدة مصالح لمراكز القوى المتناحرة اليوم وكذا لم تكن الديمقراطية منذ انبلاج الوحدة المسخ يوما ما بالمفهوم الحقيقي والاهم من ذلك الدستور الذي يفترض بأنه يفصل بين السلطات الثلاث جعلها مركزة بيد واحدة يدير أمور الدولة بالتلفون، ومن هنا فإن الفدرالية لن تكون فردوس اليمن المقبل ولن تكن بأي حال من الأحوال طريقا مفروشاً بالورود، طالما لازالت نفس العقلية ونفس النخب الحاكمة.
لقد سرق حكام اليمن في العقود الأخيرة آمال شعبهم وتطلعاتهم في الوحدة والعزة والعيش الكريم، وغدا قرارهم بيد غيرهم لقد سلبت إرادة اليمنيين وهاهم اليوم ينتظرون ما يقره لهم غيرهم لقد استقبل اليمنيون الوحدة بروح تفاؤلية ولم يدرك البعض نوايا قادتهم ونزعتهم الأنانية النرجسية التي دخل كل من شريكي الوحدة بروح اقصائية هاهم في المشهد السياسي، جميعهم من غرق في العهر السياسي بدون استثناء سواء من يعبث بالوطن من داخله أو يتجول خارج الوطن ويتسول دعماً واهما لمشاريعه الصغيرة، فغدا هؤلاء يتحالفون مع أعداء الأمس، بينما يتخاصمون مع شركاء الأمس، وكل ذلك من اجل شهوة السلطة، الأمة اليوم ترنو لزعامة شعبية وليس مصطنعة ونريد عقد اجتماعي جديد ينصب رئيسا ليكون موظفاً لفترة معينة فأن أصاب فيمكن التمديد له لفترة واحدة أخرى كما هو معمول به في بلدان العالم.
اليمنيون اليوم يتطلعون للخروج من هذا المأزق المصطنع ومن حالة الخواء الفكري والتيه والضياع فلا يعقل أن فترة انتقالية تدل أخرى ويصبح هذا الجيل حقل تجارب لدهاقنة السياسة!