الحوار هو الأسلوب الراقي والأمثل للتعامل مع أي مشكلة مهما كبرت أو تعقّدت، هكذا يفكر دائماً العقلاء والمتحضرون من بني آدم، ولكن عندما ننظر إلى الواقع اليمني وكل ما فيه من متناقضات قد يفقد أكثر الناس تفاؤلاً أي أمل بإمكانية التوصل إلى حلول تُرضي كل الأطراف المتحاورة، والسبب بسيط وهو أن معظم المتحاورين يبحثون من خلاله عن مناصب ومصالح شخصية وليس عن حلول فعلية وجذرية لمشاكل اليمن، بل هناك جماعات وأحزاب جاءت بهدف إفشال هذا الحوار. العديد من المراقبين للساحة السياسية اليمنية يرون أنه حتى لو نجح الحوار وتم اتخاذ قرارات حاسمة وتاريخية لكل المشاكل, فهل الدولة بوضعها الحالي والهش قادرة على إلزام جميع الأطراف بهذه القرارات؟ خلال الشهر الماضي طالعتنا المواقع المختلفة بأخبار عن تشكيل حكومة جديدة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي من المتوقّع أن تُجرى بعد أربعة أشهر، وقامت بتسريب أسماء وزراء الحكومة الجديدة وضمنها شخصيات فاسدة وفاشلة أرادت أن تقحم نفسها بطريقة فجّة في المسرح السياسي.
بل إن أحد الزملاء الذين أحترمهم كثيراً ذكر أن بعض هذه الأسماء دفعوا أموالاً طائلة ليزج بأسمائهم ضمن التوليفة الوزارية، وللفت الأنظار إليهم، ولسان حالهم يقول "لا تنسونا"، على الرغم من فشلهم الذريع في كل الحكومات السابقة وسُمعتهم السيِّئة ونهبهم المال العام، وهذا هو ديدنهم، فهم لا يستطيعون أن يعيشوا إلا في مستنقعات الفساد، ومؤهلاتهم لا تؤهلهم للعمل الشريف، وتربوا وتعلموا من شيطانهم الأكبر على ثقافة الفيد والنهب والاستغفال.
وعودة إلى نتائج مؤتمر الحوار الذي شارف على الانتهاء، وذلك من خلال التوصل إلى حلول لأكثر من 80% من المشاكل المطروحة، أو هذا ما صرح به الأمين العام لمؤتمر الحوار, شكل الدولة حتى الآن لم يتم الاتفاق عليه, مشكلة صعدة وحرب دماج تحوّلت إلى حرب مستعرة، والقيادة السياسية تتفرّج على الرغم من سقوط مئات الضحايا نصفهم من النساء والأطفال.
الوضع الأمني تدهور بشكل ملفت والحكومة لا تحرك ساكناً, والاغتيالات للقيادات الأمنية والعسكرية في تصاعد, اختطاف الأجانب أو اغتيالهم ما زالت مشكلة تقف أمامها الدولة عاجزة, الخدمات في تدهور مستمر وأصبحت أيامنا المظلمة أكثر من المضيئة, أزمة المشتقات النفطية تهدأ يوماً وتشتعل أياماً، وطوابير السيارات تسد الطريق الذي يسير فيه موكب فخامة الرئيس مرتين في اليوم, نهب الثروات مستمر وبوتيرة عالية, النظام القديم بكل مكوناته الفاسدة ما زال يحكم ووزراؤه وحلفاؤهم يمثلون أغلبية في مجلس الوزراء, تهديدات جدّية بسقوط العديد من المحافظات، إما في يد الحوثي أو في يد القاعدة.
صعدة سقطت كلياً وحجة وعمران ومارب والجوف وإب والبيضاء وتعز وحضرموت وشبوة وأبين كلها محافظات مهددة بالسقوط؛ فأين الأربعمائة ألف جندي الذين هم قوام الجيش اليمني ومثلهم من الأمن؟
قبل بدء الحوار كان أعداء الوطن من الطائفيين والمناطقيين والمذهبيين وأعداء الوحدة ودعاة الانفصال أضعف بكثير عمّا هم عليه الآن، فهل من المنطق أن تنغمس الدولة بكل مكوِّناتها في الحوار بدون أن تلتفت شمالاً أو جنوباً لتراقب الأحداث وتجهض هذه المؤامرات قبل أن تستفحل في جسم مجتمعنا الحبيب ويصبح الدواء غير ذي جدوى، ولا بُد من الجراحة، والتي يبدو أنها ستكون مكلفة جداً جداً.
هناك قضايا بسيطة وقفت القيادة السياسية ومن خلفها الحكومة أمامها عاجزة؛ مثل تغيير بعض المحافظين وتفجير خطوط الكهرباء وأنابيب النفط، وعبث الرئيس السابق بالأمن، وعدم تحجيم قوته، وما زال يملك مخازن ضخمة من الأسلحة الثقيلة والدبابات والطائرات المروحية، بالإضافة إلى جهاز إعلامي ضخم يهدد من خلاله سكينة وأمن الدولة. ولو كلفت القيادة السياسية جهازها الأمني ليزور الشوارع الواقعة في منطقة ارتل ما بين شارع الخمسين ومعسكر السواد ومستشفى 48 لشاهدوا صور الرئيس السابق وهي تملأ الشوارع وعلى أعمدة الإنارة, فالرئيس السابق ونظامه السابق يمثل ببساطة دولة ثانية إلى جانب الدولة الرسمية، بل وأحياناً يتفوق عليها في بعض الجوانب التنظيمية.
وإذا لم يتم تحجيمه بسرعة فسيقوم بخطف الانتخابات القادمة، ولقد تحدثت وسائل إعلامية كثيرة حول دعم بعض دول الخليج التي كانت وراء الفتنة في مصر للرئيس السابق وابنه ليحدثوا ذات الفتنة في اليمن، وإن كان الوضع في اليمن مختلف تماماً، وأي محاولة للنظام السابق إلى العودة للحكم ستكون عواقبها وخيمة للغاية على الجميع، ونتمنى أن يتغلب مفهوم الإقدام على حكمة فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ونتمنّى أيضا أن يبادر بإجهاض كل حركات التمرّد والمناطقية والمذهبية في الشمال أو الانفصال في الجنوب، أو أي مشكلات أمنية تهدد الأمن والاستقرار لهذا البلد.
ودائماً نقول إن الوقاية أفضل وأقلّ تكلفة من انتظار حدوث المرض، ثم نبدأ بعد ذلك نفكِّر في العلاج الذي قد يكون باهظ الثمن أحياناً، أو قد لا يجدي أبداً في كثير من الأحيان؛ لأن الجراحات المتأخرة غالباً ما تكون فاشلة أو قد تترك عاهات مستديمة.
اليمن تمر حالياً بمفترق طرق وبعض القضايا تحتاج إلى قوّة وسرعة في اتخاذ القرار؛ لأن المتغيِّرات حولنا تحدث بسرعة، والمتربصون بأمن البلاد كُثر، والذين يريدون أن يفشلوا الفترة الانتقالية لا يخفون على أحد، وليس من المنطق أن نرى المواطنين يحاصرون ويسجنون ويعذبون، والنساء والأطفال يقتلون في بعض مناطق صعدة والدولة لا تحرك ساكناً، بل أحياناً يتم الاستئذان من الجيران لإخماد تمرد في الداخل!
وأصبح المواطنون ساخطين على النظام السياسي القائم، وعلى حكومة الوفاق بشكل كبير، التي فشلت حتى الآن في توفير أبسط مقوّمات الحياة ألا وهو الأمن للمواطن اليمني ليس فقط في صعدة بل تقريباً في كل محافظات الجمهورية، خاصة في المحافظات التي ذكرناها في بداية هذا المقال.
فهل الحملات الأمنية المكثفة للتفتيش عن السلاح التي شهدتها العاصمة هي بداية لفرض هيبة الدولة فعلاً أم هي مجرد حملة ستكون كسابقاتها لمدة أسبوع أو اثنين ثم تنتهي ويعود مسلسل الفوضى والاغتيالات من جديد؟
هل ستفرض الدولة هيبتها أم أن الرئيس هادي بحاجة لعصا سحرية يفرض من خلالها مخرجات مؤتمر الحوار على كل مكوّنات الساحة السياسية اليمنية؟ هذا ما يترقبه الشعب والشارع اليمني وستثبته الأيام القادمة.