كل المؤشرات تؤكد بأن البلاد على مشارف نكبة خليج ثانية بعد عودة آلاف المرحلين من السعودية بسبب التعديلات الأخيرة لقانون العمل السعودي. مظاهر تدفق آلاف العائدين إلى البلاد عبر منفذ حرض الحدودي خلال الأيام الماضية، أعاد التذكير بنكبة الخليج الأولى عام 1990 بسبب موقف نظام صالح من الغزو العراقي للكويت. ولاشك ان عودة هذا الكم من المرحلين الآن يؤشر إلى كارثة وشيكة لا تحمد عقباها ولا يمكن ان تكون هذه العودة بدون ثمن ستدفعها اليمن والسعودية في قادم الأيام. ومهما عددت الحكومة السعودية من مبررات لإجراءتها الأخيرة، إلا ان توقيتها لا يخلو من دلالات سياسية. صحيح ان المملكة لازالت الداعم الأول لليمن ولم ينسَ الرئيس هادي في معظم خطاباته الإشادة بدورها ودعمها أثناء الأزمة التي مرت بها البلاد خلال العامين الماضيين، الا ان السلطات السعودية تدرك تماما بأن إجراءاتها الأخيرة ستنال من اليمنيين وسيكون لها نتائج سلبية عليهم وعلى سمعة النظام الجديد، ولا نستبعد أن يكون القرار السعودي قد جاء على خلفية ما تردد عن رفض الرئيس هادي مطالب معينة بشأن اتفاقية الحدود أو على خلفية الاكتشاف النفطي الجديد والذي تشير المصادر إلى مخزونه الهائل في محافظة الجوف الحدودية ما أثار حساسية الشقيقة الكبرى.
لقد تحمل الرئيس السابق مسؤولية نكبة الخليج الأولى دون ان يعترف هو بذلك، ولم تجدِ خطاباته العنترية آنذاك نفعا لليمنيين أو تكفهم ذل المهانة والعودة للتسول من جديد في شوارع المملكة، ولا نبالغ إذا قلنا بأن الشعب اليمني لا يزال يدفع ثمن النتائج الكارثية للموقف الذي اتخذته قيادته في عام 90 بعودة نحو مليون مغترب يمني، ونستغرب في الوقت ذاته من الموقف المماثل للقيادة الحالية، فرغم تمديد مهلة تصحيح وضع العمالة المخالفة مدة ثلاثة أشهر، لم يلمس المراقب أي تحركات جدية من قبل نظام الرئيس هادي وحكومة الوفاق لحماية المرحلين سواء قبل التمديد أو بعد التمديد ولو بتحركات دبلوماسية لتأجيل القرار إلى فترة أخرى تكون البلاد قد استعادت عافيتها وأنفاسها، بل على العكس، وصف الرئيس هادي الإجراءات السعودية الأخيرة بأنها قرار سيادي، وقدم رئيس الحكومة باسندوة الشكر للعاهل السعودي بعد تمديده مهلة تصحيح وضع العمالة مدة ثلاثة أشهر.
من المعروف ان النظام السابق قد حول الكثير من الملفات والأزمات المحلية وسيلة للارتزاق والابتزاز السياسي ومنها ملف المغتربين والمتهربين عبر الحدود والتي ظلت قضاياهم وآلامهم خاضعة للبيع والشراء من قبل المفاوض اليمني على مدى سنوات كبقية ملفات أخرى وأدرك العالم مساوئ هذه السياسة الكارثية فكانت مؤتمرات لندن وأصدقاء اليمن قبل الانتفاضة الشعبية بداية العام 2011 التي أخرجت غضب وتراكمات ثلاثة عقود من الزمن.
ويبدو ان الرئيس هادي وحكومة الوفاق لم يستوعبوا الدرس جيدا. فقد جرى التعامل مع قضية المرحلين بسهولة بالغة وبرود عجيب وكأن الأمر لا يعنيهم وتناسوا ان عيون المواطنين والمراقبين ترصد أداءهم بدقة خلال هذه المرحلة والمقارنة بين أداءهم وبين نظام صالح حاضرا بقوة في كل خطوة حتى وإن كان الأخير مسؤولا عن كثير من العراقيل والعقبات، الا ان تكرار هذه الأسطوانة تفقد بريقها بسرعة أكبر والناس التي خرجت للشوارع والميادين العامة قبل أكثر من عامين ليست مهيأة لمثل هذه التبريرات.
المؤسف حقا ان تتحول قضية المرحلين إلى مادة للمزايدات السياسية بين المؤسسات الحكومية الرسمية، فالبرلمان كان أول من أعلن عن تبرعه بعشرة ملايين ريال للمرحلين، ولم يفعل ذلك عن شعور بالمسؤولية كما بدا من صيغة الخبر الرسمي بقدر ما هدف إلى إحراج الحكومة في إطار صراعه الواضح للعيان مع الجانب الحكومي في الأونة الأخيرة، وردت الحكومة بالإعلان عن خصم قسط يوم من كافة موظفي الدولة لصالح تأمين وصول المرحلين إلى مناطقهم ودخل مجلس الشورى على خط التنافس وأعلن عن تبرعه بعشرة ملايين ريال. وأعلن وزير المغتربين عن تشكيل لجنة لجمع المعلومات عن المرحلين، في الوقت الذي طالب فيه اتحاد العمال الحكومة بآلية واضحة لجمع التبرعات.
واللافت في الأمر ان هناك محاولات حكومية ورسمية للاسترزاق وتسجيل مواقف ليس الا من قضية المرحلين وكنا نعتقد ان هذه الحركات قد ولى زمانها وانتهت مع اندلاع ثورة الشباب الشعبية.