عثمان تراث لعل أول ما يلفت الزائر لليمن، هو ذلك الخنجر الكبير الذي يتمنطقه معظم الرجال. إنه «الجَنْبِيَة» كما يسميها أهل اليمن، وهي جزء أساسي من الزي الشعبي للرجال. بل هي عندهم من أهم متطلبات زينة الرجل، ومن أقيم ما يمتلكونه ويعتزون به.
«لبسي الجنبية يشعرني بقيمتي كرجل وابن قبيلة» يحدثنا الشاب مرزوق الورد، ويقول إن أهل مدينته الريفية «ثلا»، سينظرون إليه بغير احترام إذا رأوه بدون جنبية. «في قريتنا لا يمكنك أن ترى شخصا بدون الجنبية إلا إذا كان طالبا في طريقه من أو إلى المدرسة».
بين المدن والأرياف بشهادة العديدين فإن انتشار الجنبية، في العاصمة صنعاء، وغيرها من المناطق الحضرية، صار أقل مما كان عليه في أوقات سابقة خاصة في أوساط الشباب، ولكن الأمر ليس كذلك في الأرياف.. يقول الباحث عبدالغني الشبامي: «حدثت تحولات مجتمعية وقيمية مؤثرة في المجتمع خلال العقود الثلاثة الأخيرة لصالح قيم القبيلة، لذلك فإن ارتداء الجنبية زاد خلال هذه العقود في الأرياف بين جميع الفئات بما فيها الشباب».
ويري الشبامي أن تراجع ارتداء الجنبية في المناطق الحضرية لا يعود إلى رأي سلبي تجاهها تشكل في المجتمع، أو في الأوساط الشبابية، بل يعود إلى طبيعة العمل في المدينة، ف«الجنبية ليست عملية، ولا تساعد على الحركة المطلوبة للعمل، كما أن الدولة تمنع موظفيها والطلاب من ارتدائها خلال ساعات الدوام الرسمي».
أماكن واستخدامات تنتشر الجنبية في المناطق الشمالية من اليمن أكثر من انتشارها في المناطق الجنوبية والغربية منها. وهي عدة أصناف وأشكال تختلف باختلاف القبيلة، أو المنطقة، والطبقة أو الفئة الاجتماعية.
وتستخدم الجنبية في رقص الرجال في الأعراس. وتلعب دورا هاماً في التحكيم الأهلي بين الأفراد أو الجماعات، فإذا أراد شخص الاعتراف بمسؤوليته عن خطأ أو جريمة ارتكبها فانه يخلع جنبيته ويسلمها لغريمه دلالة على الرضاء المسبق بما سيحكم به عليه، وإذا احتكم طرفان لشخص ثالث فان كل منهما يسلم جنبيته للحكم تعبيرا عن رضائه بما سيحكم به. ويعد امتشاق الجنبية أو استخدامها في شجار عادي عيباً يستوجب العقاب.
في أوساط الشباب ولكن هل يفرق الشباب اليمنيون الآن بين أنواع الجنابي (جمع جنبية)، وهل يعرفون التقاليد القبيلة المرتبطة بها ويلتزمون بها؟
يقول الشاب صالح السعواني «مثلي ومثل بقية الشباب وكل الرجال في قريتي أرتدي الجنبية بشكل دائم، ولكني لا استخدمها كسلاح، إلا إذا كنت في مواجهة خطر حقيقي». ويعتقد السعواني أن امتشاق الجنبية في غير هذه الحالة ينتقص من قيمة حاملها، ويلحق الإهانة بالجنبية نفسها كرمز وقيمة.
من جانبه يقول الورد إنه لا يفرّق جيداً بين أنواع الجنابي، ولكنه يعرف استخدامات الجنبية في الأعراف القبلية.
ويضرب الباحث الشبامي مثلا بأبنه محمد (20 سنة) «حرصت على أن ينشأ مشبعا بقيم المدنية، أدخلته مدرسة أجنبية، ولكني تفاجأت به وهو يصير قبيلي من الدرجة الأولى. يهتم كثيرا بالعادات التقليدية، وبالأزياء الشعبية، ومنها الجنبية، ويعرف الكثير عنها، ويعتبرها مصدر فخر واعتزاز بالنسبة إليه».
ويضيف: «الجنبية الآن تمثل للكثير من الشباب مظهرا يدل على الهوية اليمنية وأصالة الانتماء إلى القبيلة، لذلك فان الشباب في المدن، وإن كانوا لا يتمنطقون بها في أوقات كثيرة، إلا انهم يحرصون عليها أشد الحرص في المناسبات الاجتماعية، أو عندما يقومون بزيارة المناطق القبيلة».
بين منطقة وأخرى يحدثنا الأستاذ الجامعي الدكتور خالد الماوري: «لا يمكننا الحديث عن الجنبية بشكل عام في اليمن كلها، فالأمر يختلف من منطقة لأخرى». ويوضح: «في المناطق الشمالية من اليمن، وبعض المناطق الوسطى صار استخدام الجنبية الآن أكثر مما كان عليه قبل عقود، حتى الشباب هناك يولون الآن اهتماماً أكبر بمعرفة الجنابي، وأنواعها، واستخداماتها، أما في المناطق الجنوبية وبعض المناطق الوسطى والغربية فان الجنبية لا تحظى بهذا الاهتمام لأنها ليست جزءا من عاداتهم وتقاليدهم».
ومصداقا لذلك يقول وائل عبدالجليل: «أنا من قرية الأعبوس في محافظة تعز، لم اعتد على لبس الجنبية. ليست منتشرة عندنا، قلة قليلة من الناس ترتديها، وهي لا تشكل جزءا من عادتنا القبلية».
تفضيلات النساء تقول سلوي البعداني وهي موظفة في صنعاء، إنها تحث دائما زوجها على ارتداء الجنبية، وترى أن معظم بنات جيلها يفضلن الرجل بالجنبية ويرينه أكثر أناقة بها.
لكن هديل العدني تفضل أن يرتدي الشباب الزي الحديث، وتقول إن الجنبية توحي إليها بالبداوة والتخلف.
وبين الرأيين تقف الشابة نجلاء العريقي: «الجنبية جزء من التراث اليمني، ولكني لا أفضل أن يرتديها الشباب بشكل دائم.. عليهم أن يحافظوا عليها كتراث، وهذا يمكن أن يتم من خلال ارتدائها في بعض أيام العطلات والمناسبات الدينية والاجتماعية».
فيما تقول أروى هاشم: «شخصيا لا أحب الجنبية، العالم كله تطور، والشباب تطوروا، الزي العصري العادي هو المناسب في حياتنا اليومية، ولكن حفاظا على العادات والتقاليد يمكن للشباب ارتداء الجنبية في الأعياد الدينية وبعض المناسبات الاجتماعية».
يُنشر هذا التقرير في إطار اتفاق الشراكة بين موقع المصدر أونلاين وإذاعة هولندا العالمية.