البندقية لا تجيد نطق كل حروف الهجاء، ولذا فهي ليست وسيلة أمينة للحوار بين الإخوة وذراعها المدمّرة لا تجيد بناء شيء سوى المقابر، ولذا فهي لا تصلح وسيلة للعمار. نقول هذا لمن يقدّم أصوات الرصاص بديلاً مفروضاً لمخرجات الحوار التي عكف عليها اليمنيون بمختلف مشاربهم كي يخرجوها ليأتي هو بمزاج واحد يفرضه بعنجهيته على اليمنيين -كل اليمنيين - ليتركوا كل ذلك جانباً و يبحروا وراءه في حربه العبثية ويكتووا بناره المحرقة.
إن العقول المحشوة بالبارود لم تدرك بعد أن من يُعطيك لتقتُل ليس على استعداد أن يحميك لتعيش، هذه العقول حتى الآن ليست مهيّأة للتعايش مع الوضع الجديد الذي تشكل بعد ثورة الشباب الشعبية، وهي بهذا لا توسّع سوى دائرة الثأر وقطيعة الرحم في طول اليمن وعرضها.
ما نراه - للأسف الشديد - أن الجاهزين للحرب ليسوا جاهزين للسلام بدافع أنانيتهم المفرطة وخوفاً على مصالحهم الشخصية، بينما الجاهزون للسلام ليسوا على استعداد للحرب خوفاً على مصلحة الوطن ككل، وهنا يكمن الفرق.
ما نراه أيضاً أن في الجيش من يحرص على تقديمه بهذه الصورة الهزيلة ويتعمّد إذلاله في كل موقف ويفتح بإرباكه ممرات آمنة للعنف انتقاماً من مواقفه المشرِّفة تجاه ثورة الحادي عشر من فبراير، وهذا أخطر عليه من العصابات المسلّحة نفسها؛ لأن سياستهم تقضي بأن تلغى وظيفته ويُحيّد للتفرّغ لأكل الكُدم وصرف الرواتب من الضرائب حتى يتسّع السخط عليه وتسقط هيبته ويترك الوطن والمواطن نهباً لعبث العصابات المسلّحة وثقافة التفجير التي تقضم أطرافه بلا رحمة كما يُقضم الرغيف.
إنهم ينتظرون أن يتكفل دافع الضرائب بمواجهة هذه المشاريع المُفخخة ليتفرغوا هم لتنفيذ مخططاتهم المكمِّلة لمخططات العصابات المسلّحة والتي تستهدف مفهوم الدولة في العُمق والجذور وتستهدف تسريحها من الداخل.
حتى اللحظة، الوطن مازال بحاجة لجيش الجمهورية البطل الذي ما زال يتردد عن سد ثغرات العاصمة، ناهيك عن محافظات سقطت في أيدي قوى الشر وأخرى في طريقها للسقوط.
صحيح أنه ليس أسوأ من الحرب إلا الحرب نفسها، ولكن تبقى حقيقة أن الجهة المخولة لخوضها نيابة عن الشعب و الجمهورية هي مؤسسة الجيش وليس غيرها، وعلى القوى الحية الالتفاف حولها وتعزيز هيبتها إنقاذاً لوطنها المخطوف واستكمالاً لثورتها المشرقة. لتوقف هذه المهازل المتكررة بتكرار قبح من يقف وراءها.