كنت أنوي كتابة مقال أنتقد فيه آلية التعامل التي تمارسها لجنة الأحزاب والتنظيمات السياسية في منحها تراخيص لعشرات الأحزاب بدون توفر قاعدة بيانات يمكن للجنة على ضوئها مراجعة القوائم المسلمة اليها من قبل الأحزاب طالبة الترخيص، والتأكد من ان أعضاء الحزب الفلاني او مؤسسيه لم يسبق لهم ان انتموا الى حزب آخر، وان حدث ذلك فعلى اي عضو كان او مؤسس ان يسارع الى تقديم استقالته من ذلك الحزب حتى يتم قبوله في الحزب الذي يرغب في الانتماء اليه, لأنه وبدون هذا سيتكرر الآلاف في كل حزب. هناك عدد كبير من المواطنين يمتلكون بطاقه لكل حزب والبعض منهم يؤكد انه فوق هذا لا ينتمي إلى اي حزب، والخلاصة ان عدد الأحزاب قد يصل إلى عشرات وقد تكون القاعدة الجماهيرية واحدة، لا تدري إلى اي الأحزاب تنتمي والمؤسسون في سباق لا هم لهم سوى إشهار الحزب لأغراض سياسية وتمويلية حتى لو كان الحزب بلا قاعدة جماهيرية. لكن هذا الموضوع وبرغم أهميته الا انه بالمقارنه بالكم الهائل من المنظمات التي تجتاح سوق العمل اليمني بشكل مخيف صارت (اي الأحزاب) وان كانت تخطو بنفس خطوات تلك المنظمات لا تساوي شيئاً حتى وان تجاوز عددها المائة حزب فمخاطرها وتأثيرها محدود مقارنة بمنظمات المجتمع المدني والتي ليس للمجتمع منها سوى الاسم.
فوفقاً لاستطلاع نشرته صحيفة "الثورة" موخراً أشارت فيه وفقاً لتقارير رسمية إلى وجود أكثر من 12 ألف منظمة مجتمع مدني تجتاح سوق العمل، وأغلبها ترفع شعار التنمية وحقوق الإنسان لكنها في الحقيقه تحولت إلى عبء مجتمعي يضاف إلى ما تواجهه اليمن من تحديات معقدة. هذه المنظمات تتسلم مخصصات ومنح وهبات محلية وخارجية، وتواجه إشكاليات متعددة أبرزها غياب الشفافية إلى جانب عدم إيجاد إطار عمل قانوني يميزها كشبكة عمل وكذا غياب الدور الرقابي على أعمال هذه المنظمات. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا التهافت على إنشاء هذه المنظمات وخاصة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، إذ تشير الدراسات البحثية إلى تسجيل ما نسبته 24٪ من منظمات المجتمع المدني خلال تلك الفترة اي ما يقارب 3000 منظمة في ثلاث سنوات، فهذا ينبغي ان يواجه بحزمة إجراءت أهمها إيجاد عمل مؤسسي وتنسيق وتعاون مع الحكومة مبني علي الثقة والشفافية والمساءلة والتشديد على معرفه الأهداف الحقيقة لبعض تلك المنظمات وخاصة الممولة من الخارج، والرقابة عليها حتى لا تتحول إلى معاول لهدم المجتمع وأدوات بيد المتربصين بهذا الوطن من خلال استغلال حاجة الناس وفقرهم.
فالواجب ان ندرك ان لا أحد يرمي فلوسه للشارع هكذا، حتى وان أتت هذه الأموال بمسميات مختلفة، ولقد رأينا وسمعنا قبل سنوات قليلة كيف تم طرد العديد من المنظمات العاملة في السودان التي كان أغلبها يرفع شعارات إنسانية، لكن الواقع غير هذا، والأهم إيجاد منظومة تشريعية تهدف إلى الحد من الانتشار المخيف لهذه المنظمات وإحكام الرقابة الفاعلة على نشاطاتها حتى نصل إلى تعزيز ثقافة المشاركة الشعبية المجتمعية الواسعة التي تعود بالنفع على المجتمع والدولة.