ليست الثورات عملية اختيارية ولا عمل تطوعي قائم على حُرية المجتمعات ورغبتها في ممارسته أو عدم ممارسته، الثورة فعل إجباري يقوم بها المجتمع غصباً عنه عندما يصل إلى انسداد أفق التغيير والتطوّر الطبيعي المحكوم بنواميس كونية غير خاضعة لدراسة تبعات حدوثها.. وإن كانت ستصل إلى أن تصبح حرباً أهلية مدمّرة، لكنها واحتكاماً لمنطق الكون المتحرك باستمرار، تدشّن مرحلة جديدة من التغييرات وتعطي المجتمعات فاعلية وحيوية وحركة أكثر.
أي أن الثورات هي تدشين بداية لنهاية عهد قديم اتسم باحتكار السلطة والثروة والسياسة والمجال العام من قبل شخص أو عائلة أو حزب أو جماعة، وبالوقت نفسه بداية لعهد جديد أياً كانت ملامحه، إلا أنه سيمكن حواضن اجتماعية أخرى من المشاركة في الثروة والنفوذ والسلطة والسياسة.
أي أن الثورة تأتي لمحاولة إنتاج عملية توزيع جديد للسلطة والنفوذ والثروة على قاعدة العدل.
كان علي عبدالله صالح قد بدأ الإعداد لمشروع التوريث، أي إخراج ما تبقى من مراكز النفوذ والقوى من دائرة تقاسم الثروة والسلطة، واحتكارهما في دائرة أضيق.
بعد إعلان الوحدة عام 1990، كان الاشتراكي والإصلاح شركاء في السلطة، إلا أن صالح وفي إطار تحقيق مشروع احتكار السلطة والقرار السياسي عمل على إزاحة الحزب الاشتراكي.
نجح صالح في إزاحة الاشتراكي، وظل الإصلاح شريكه بطريقة أو بأخرى نهاية التسعينيات، وكان قد بدأ في هذه الفترة بإزاحة الإصلاح تدريجياً إلى أن نجح إزاحته كُلياً مع بداية الألفية الثالثة.
وهكذا، كلما توسّعت عملية الإزاحة ضاقت دائرة احتكار السلطة أكثر إلى أن بدأ صالح بإزاحة شركائه الأكثر قُرباً منه بما فيهم شركاؤه على قاعدة روابط المنطقة والأسرة والقبيلة.
كان صالح يدرك أن مشروع التوريث وتضييق دائرة احتكار الثروة والسلطة لن ينجح في ظل بقاء مجتمع حي ومتماسك، فعمد إلى تضييق الاهتمام الاجتماعي بالسياسة عبر تحوير هذا الاهتمام باتجاه العنف وخلق بؤر صراع تشغل قوى المجتمع ببعضها وتفقد المجتمع حيويته وقدرته على تجديد مظاهر الحراك الاجتماعي.
بدأت الشراكة في السلطة من شركاء الوحدة، إلى المؤتمر والإصلاح وبعض مراكز القوة، ثم إلى الشراكة داخل قبيلة حاشد، إلى منطقة سنحان، ثم عائلة "الصالح".
تشكل اللقاء المشترك كنتيجة طبيعية لتضييق دائرة السلطة والثروة، وخاض حراكاً سياسياً ومفاوضاتٍ وحواراتٍ مع نظام صالح، وصولاً إلى انسداد أفق التغيير، وأمام مأزق وحائط مسدود، وهنا وصلت الأمور إلى الإنفجار، فكانت الثورة.
يبدو أن الرئيس هادي ومن خلاله أدائه في رئاسة السلطة منذ أكثر من عامين، لم يدرك هذه الأبعاد ولا كيف تتخلّق محركات ومحفّزات انفجار الثورة، التي أراد منها المجتمع الوصول إلى شراكة حقيقية أكثر وتوزيع أكثر عدلاً، إلا أنه يُثبت نجاحاً كبيراً ومتسارعاً في إعادة إنتاج تقاليد أداء علي عبد الله صالح.