صُدمت عندما طلع علينا "الزعيم" في لقاء تلفزيوني يدعي ان جامع الصالح ملكه. الجامع بُني بأموال دفعت من حساب خاص في البنك المركزي اسمه "الحساب الخاص لجامع الرئيس". فتح الحساب في 2001 بعد ان أدرك الرئيس السابق ان تكلفة بناء الجامع بالمواصفات التي قدمتها له الشركة الاستشارية لن تقل عن 36 مليون دولار، بينما كان قد أبلغ المسؤول المكلف بالتعامل مع الشركة انه قد رصد ميزانية في حدود 15 مليون دولار وانه ينوي دفعها من جيبه الخاص. ولن نتساءل كيف استطاع رئيس جمهوريه توفير ذلك المبلغ من راتبه الذي كان في ذلك الوقت بحسب قانون الخدمة المدنية 49 ألف ريال شهرياً (كان ذلك قبل الاستراتيجية)، فنحن نعرف كيف كان يتصرف بالمال العام، وكيف كان يستغل كل فرصة لنهبه. الطريف في الأمر ان مشروع بناء الجامع تحول الى مشروع هائل لنهب المال العام من قبل الرئيس السابق وشلته.
الحساب الخاص لجامع الرئيس هو واحد من أكثر من 60 حساباً خاصا كانت تستخدم نظرياً لتسهيل تمويل مشاريع التنمية الممولة من الخارج وعملياً لنهب المال العام بعيداً عن رقابة مجلس النواب، حيث انها لا تفصّل في الميزانية العامة. يبين تقرير لصندوق النقد الدولي قدم للحكومة في 2003 ان الحساب الخاص لهذا الجامع قد تلقى منذ انشائه قبل سنتين 63 مليار ريال من الإيداعات معظمها من فوائض ميزانيات الوزارات الخدمية. لبيان آلية ذلك نوضح: وزارة خدمية يخصص لها 300 مليار ريال مثلاً ميزانية سنوية للمشاريع، وعندما يأتي آخر العام ولازال في حساب الوزارة 100 مليار نظراً لعدم القدرة على تنفيذ الأعمال بالسرعة الكافية او لتأخر الوزارة في دفع المستخلصات، تقوم وزارة المالية بإعادة المبلغ المتبقي الى الحساب المركزي.
المسؤول "الشاطر" لا يحتاج الا الى غمزة من مكتب رئاسة الجمهورية لكي يكتب شيك بالمبلغ المتبقي لحساب جامع الرئيس. ومع ان هذا مخالف للقوانين واللوائح الا ان الجهات الرقابية لم تعترض على هذه الإجراءات طوال عهد الرئيس السابق بحسب علمي.
63 مليار ريال أودعت في أول سنتين من عمر ذلك الحساب، وأنا متأكد ان الحساب ظل مفتوحاً، لأكثر من عقد من الزمان، يتلقى "تبرعات" طلاب المدارس الذين تذهب قيمة كتابهم المدرسي الى حساب الجامع والمرضى الذين تذهب موازنة تشغيل مستشفياتهم الى ذلك الحساب والمواطنين الآخرين الذين "تبرعوا" بقيمة الطرق الى قراهم والكهرباء والمياه الى بيوتهم والأمن والعدالة في حياتهم.
من واجبنا ان نسأل وزارة المالية والبنك المركزي: هل لازال هذا الحساب مفتوحاً؟ وما هو وضع الحسابات المماثلة مثل الحساب الخاص لطائرة الرئيس الذي فتح في النصف الثاني من التسعينات؟ قال الرئيس السابق في المقابلة نفسها ان الناقدين له هم الحسّاد الذين لم يتجرأوا ان يفتحوا أفواههم حين كان رئيساً. انا والحمد لله لن يستطيع هو ولا زبانيته ان يتهموني بهذا فقد كنت أكتب وأصرّح وأقول منذ أكثر من 15 سنه بملء فمي ان الرئيس السابق ينهب أموال الدولة ويمكّن مواليه من نهبها، وكنت أؤيد ذلك بالأدلة المتاحة لي.