تنبأت "الميثاق" بداية العدوان الصهيوني الأخير على غزة ألا يتخذ العرب موقفاً تجاه إسرائيل.. وعلى العادة الجارية لدى المخلوعين العرب وأتباعهم في تحميل الربيع العربي كل المسؤولية عما يحدث في وطننا العربي من سلبيات ومشاكل؛ فقد كان السبب – بحسب مراقبين على ذمة "الميثاق"!- هو ما ألحقه الربيع العربي أو "ربيع الإخوان" كما قالت بالدول العربية من ضعف شديد، وجرها إلى حروب داخلية، وتدمير جيوشها، والتآمر عليها! فالجيش السوري تم إنهاكه، والجيش العراقي جرى تدميره، والجيش المصري تم التآمر عليه.. والأزمة اليمنية (مالها؟ لم يقولوا شيئاً للأمانة!).. وكل ذلك الضعف أو الصراعات تتحمل مسؤوليته حصرياً جماعة الإخوان والقاعدة وداعش! وهو الذي ساعد الجيش الإسرائيلي على ممارسة جرائم القتل بصلف في غزة! هذه خلاصة كلام المراقبين الميثاقيين.. ولأنها تتحرك في مسار الشيطنة الإعلامية التي تهيمن في أوطاننا التي يريد بعضها تبرئة الصهاينة من مسؤولية ما يحدث؛ فمن المناسب أن نعلق عليها لبيان ما فيها من الدس الرخيص والتزييف الأرخص الذي يريد هو أيضاً أن يصرف الانتباه وجزءاً من المسؤولية عن الصهاينة! وخاصة أن الكلام تحول إلى نبوءة تحققت حرفياً، فسبحان الله؛ لم يتخذ أي بلد عربي موقفاً عملياً لإيقاف العدوان.. وحتى التنديدات العربية الشهيرة لم تسمع كثيراً إلا بعد أن تأكد أصحابها من فشل إسرائيل في تحطيم المقاومة وصمود غزة.. بل الأسوأ أن بلداً مثل مصر اتخذ موقفاً محايداً بين الإسرائيليين والفلسطينيين رغم أنهم تخلصوا من الربيع العربي والرئيس الإخواني قبل سنة كاملة! ومعظم الدول العربية (التي لم تعرف الربيع وما تزال تعيش في الخريف جيوشها سليمة محصنة من شلل الأطفال!) اعتصمت بالصوم والاعتكاف حتى يتبين لها التنديد الأبيض من التنديد الأسود فأصدرت في الأخير بيانات من نوعية "ألم نكن معكم ونمنعكم من الناس".. وفي الأخير فضح الإعلام الصهيوني حقيقة أن العدوان على غزة كان إنتاجاً صهيونياً عربياً مشتركاً.. قام بعض العرب فيه بدور الإنتاج، والتمويل، والتحريض!
**** سوف نلاحظ بداية أن الكلام المؤتمري يفترض أن العدوان الصهيوني الأخير هو الأول من نوعه على غزة وعلى أي بلد عربي.. فقبل الربيع العربي لم يكن الجيش الصهيوني يجرؤ على قتل فلسطيني لا بصلافة ولا بأدب؛ فضلاً عن أن يشن حرباً إجرامية على غزة أو جنوبلبنان! ليس لأن الصهاينة قوم إنسانيون.. أو لأن جزءاً من العرب لم يكونوا يتعاونون معهم على الإثم والعدوان كما يحدث اليوم.. ولكن لأن الوطن العربي لم يكن يعرف شيئاً اسمه: الربيع العربي بإخوان أو بدون إخوان! فإذا تذكرنا أن الجيوش العربية باستثناء العراق كلها كانت سليمة قبل الربيع العربي، ولم تنهك كالجيش السوري، أو تدمر كالجيش العراقي، أو يتآمروا عليها كالجيش المصري، أو تمر بأزمة كالجيش اليمني.. وفي زمن متقدم لم يكن هناك قاعدة ولا داعش. وفي زمن أقدم منه كان الإخوان إما معتقلين أو مهمشين.. ومع كل ذلك فقد كانت إسرائيل تغزو، وتقتل، وتدمر في أي بلد عربي تريد من العراق إلى تونس ومن سوريا إلى السودان، واحتلت (ولا تزال!) أراضي ثلاث دول عربية في ستة أيام .. وقصارى ما كانت تفعله الجيوش العربية التي تباكى عليها مراقبو المؤتمر هو الدعاء إلى الله بصيغة: "حوالينا لا علينا! واللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه!".. ولو كانت صنعت ما صنعته حماس والمقاومة، أو ما صنعته هي من بطولات زائفة في الحرب الإيرانيةالعراقية أو في لبنان على سبيل المثال؛ لحق لأي مراقب مولعي أن يبكي عليها ويتحسر على أيامها.. بل لو نفذ زعماء تلك الجيوش تهديداتهم الشهيرة عند وقوع اعتداء صهيوني عليهم بأنهم لن يسكتوا في المرة القادمة لما كان هناك أصلاً ربيع عربي، لأن معنى ذلك أنه صار لدى العرب أنظمة وطنية تعرف واجبها القومي والوطني تجاه أمتها وشعوبها! ولو تحدثنا فقط عما أجرمته إسرائيل قبل الربيع العربي في حق الفلسطينيينواللبنانيين؛ منذ انتفاضة الحجارة وصولاً إلى سنوات ما بعد أوسلو؛ فسوف نكتشف حقيقة الدور المتخاذل الذي قامت به الجيوش العربية المأسوف عليها.. فالجيش العراقي بعد حربه مع إيران احتل الكويت.. وباستثناء الصواريخ التي ضرب بها إسرائيل كمحاولة يائسة لجرها إلى الحرب عام 1991 فلم يفعل شيئاً بعد أن تعرض هو نفسه إلى الحصار وصولاً إلى تدميره وتفكيكه! أما الجيش السوري فقد غرق منذ منتصف السبعينيات في مستنقع الحرب الأهلية في لبنان.. وبعد ما خرج وحتى اندلاع الثورة الشعبية ضده لم يقتل للأمانة إلا كم مائة ألف سوري، وشرد بضعة ملايين من أبناء شعبه تحت المبرر العربي الشهير وهو إسقاط المخططات الصهيونية الأمريكية، والمحافظة على قلب المقاومة ضد إسرائيل! والجيش المصري منذ حرب أكتوبر تحول تدريجياً إلى جيش صديق لإسرائيل يستعان به في مواجهة الأسئلة الصعبة! بقي الجيش اليمني الذي لا ندري لماذا أقحموه في نوبة البكاء على الجيوش العربية، فهو أولاً ليس من جيوش التصدي والمواجهة.. ومرة واحدة فقط طالب الرئيس المخلوع صديقه مبارك بمنح اليمن بقعة أرض مجاورة لفلسطين ليشن منها الجهاد ضد إسرائيل، وطبعاً لم يستجب الرئيس المصري للطلب لأنه يعرف أنها حركات نص كم.. وأن قصارى ما سيحدث هو تسوير البقعة، ووضع لوحة لمشروع: الصالح للجهاد المكدس.. أو للأعراس والمناسبات العامة!
**** لم تكن هناك أي مناسبة – باستثناء قرب العيد ومصاريفه- تجعل "الميثاق" ومراقبيها يتحاملون هكذا على الربيع العربي فيما يختص بالقضية الفلسطينية وخاصة التعاطف مع غزة.. فللمرة الأولى زار قادة حماس غزة في ظل حكم الرئيس المصري محمد مرسي الذي جاء به الربيع العربي.. وعندما وقع العدوان الصهيوني قبل الأخير على غزة كان للموقف المصري دور كبير في إلزام الصهاينة بوقف العدوان، وظل معبر رفح مفتوحاً.. وأرسل مرسي رئيس وزرائه على رأس وفد في الأيام الأولى للحرب إلى غزة مما أجبر إسرائيل على إيقاف العدوان خلال الزيارة.. واليوم لم يجرؤ مسؤول مصري على زيارة غزة.. وما تزال زيارة وفد الجامعة العربية لغزة بلا ميعاد بعد أكثر من شهر من العدوان! ومنعت زيارات الوفود الشعبية من باب أولى، ومعبر رفح ظل مغلقاً في ذروة العدوان! وحدثوا ولا حرج عن زيارات الوفود الشعبية المصرية وحملات الإغاثة التي ذهبت أثناء العدوان إلى غزة في عهد مرسي.. بينما النظام المصري اليوم منع ذلك، ومنع إيصال المعونات، وإسعاف الجرحى، وفتح المعبر إلا في أضيق الحالات.. وفي الأخير عندما سمح بإدخال المعونات اشترط شروطاً ربما تخجل إسرائيل نفسها من فرضها في معبرها.. فلا بد لأي مساعدات أو وفود طبية أن تكون عبر تقديم طلبات إلى وزارات الخارجية ثم موافقة الخارجية المصرية، ولا بد من تقديم قوائم بالمساعدات الإغاثية مسبقاً، وعلى أن تتحمل الجهات المتبرعة نفقات الإنزال والتفريغ والشحن في ميناء بور سعيد أو مطار الإسماعيلية.. وعلى ألا يصاحب المساعدات إلا عدد محدود من المرافقين، وضرورة وضع شارة الهلال الأحمر المصري بجوار شارات الهيئات والمنظمات الأهلية.. وفي قائمة الممنوعات منعت مواد البناء بكل أنواعها، وأسطوانات الغاز، والوقود، والمبالغ المالية! والمنازل الجاهزة! وخلال العدوان سكتت معظم الدول العربية عن حصار غزة من الجانب المصري، ولم نسمع زعماءها يتألمون مما يحدث من مجازر، أو يقرر الاعتكاف في مزرعته الخاصة، ومقاطعة وسائل الإعلام احتجاجاً على الصمت العربي كما فعل بعض الذين من قبلهم! والخلاصة أن إسرائيل مارست وتمارس العدوان منذ أنشئت وحتى الآن ولم يواجهها جيش عربي؛ باستثناء ما حدث في حرب 1948 عندما شاركت جيوش عربية كان معظمها كارثة على فلسطين، وفي الأخير استولت إسرائيل على أكثر مما أعطاها قرار التقسيم الظالم.. ومن يومها لم يحارب جيش عربي واحد من أجل فلسطين رغم أنه لم يكن هناك ربيع عربي.. والحروب العربية التي حدثت مع إسرائيل كانت من أجل تحرير.. الأراضي العربية خارج فلسطين التي استولى عليها الصهاينة! بقي أن نذكّر بفضل مهم للربيع العربي على غزة لما يزل غير معروفة تفاصيله.. وهو الذي أشار إليه الأخ أسامة حمدان عندما قال علناً إن حماس أدخلت كل ما تريد أيام مرسي.. وهو ما يفسّر القدرات العسكرية المتميزة للمقاومة خلال العدوان.. وفي هذا فقط يكفي لأن يبلع أعداء الربيع العربي ألسنتهم ويكفوا عن أكاذيبهم!